وكانت فيما تقدم من الأيام هذه الأعمال أعمال بني مجيد بنوا بها القليعة، فخربت القليعة لاختلاف أهلها وسكن بعدهم جماعة من أهل جزيرة فرسان في أواخر أيام سيف الإسلام طغتكين بن أيوب وبقيت في أيديهم إلى الآن. ويؤخذ بها مكس من حمل كل حمل نصف ربع وثغر بين الربده وبين مرمان والمسالمية والاسجار والنحاحسة والفرنملة. وإلى العمرية ثلاث فراسخ. حفرتين في وادي واشتهر هذا الوادي بهذا الاسم على ما ذكره غزي بن أبي بكر الحجازي إنّ امرأة جاءت بهذا الوادي تسمى عمرية فأصابها عطش شديد فصعدت إلى ذروه هذا الجبل على إثر سيل السيل من فضل الغيوث فحسبته ماءً، فلما وصلته أيست فماتت من شدة العطش، فعرف الوادي والجبل بهذا الاسم يعني اسم عمرية. وحفرت بئر بعد الموت وسميت البئر باسم الجبل. كما قال:
تحريت في امرئ لذائب ... أدير وجوة الرأي فيه ولم ادر
أاعزم عزم الناس والصبر دونه ... أم أقنع بالأعراض والنظر الشزر
فديتك لم أصبر ولي فيك حيلة ... ولكن دعاني اليأس منك إلى الصبر
تصبر مغلوبا وإني لموجع ... كما صبر العطشان في بلد الفقر
وقال روبة النكبي:
كذرى بيش من نكاه كنم سوى رخسار تو ربوده دلي
همجو در دشت كربلا سوى آب نكه تشنكي حسين علي
تفسير هذين البيتين باللغة العربية يقول: تمر بي وأنا انظر إلى وجهك وأنا مسلوب الفؤاد كما كان ينظر الحسين لن علي في كربلا من عطشه إلى الماء. وإلى عبرة ثلاث فراسخ. بئر حفرت في بطن وادٍ مشرف على البحر المالح، وما سميت بهذا الاسم إلا إنّ ماءها يشابه عبرة الإنسان في الصفا، ويقال بل عبرة تعبرها القوافل. وكان السبب على ما حكي غزي بن أبي بكر الحجازي إنّه أهلها كانوا جبابرة ومن جملة جبرهم إنّه إذا ضاق على أحدهم الرزق من وجوه الشقا والكد لم يستحسن يطلب من أحد. ولا يبذل ماء وجهه إلى أحد فكان يحفر حفرة كبيرة يدخل فيها هو ومن معه ويموتون يموتوا جميعًا لئلا يعلم بحالهم عدو ويفرح أو صديق يهتم، كما قيل:
وكم قد رأينا من فتى متجملا ... يروح ويغدو ليس يملك درهما
يراعي نجوم الليل مما يصيبه ... ويصبح يلتقي ضاحكا متبسما
ولا يسأل الأخوان ما في يديهم ... ولو مات جوعا عفة وتكرما
وقبور القوم باقية في ما بين كل قبر منها مقدار دار عظيم، فسميت العبرة (فاعتبروا يا أولي الأبصار) ولم يتحقق عند أبن مجاور انهم كانوا مسلمين أو غيرهم من أهل بعض الأديان. وبقي آثار الخسف يحدثني بدوي من أهل البلاد بهذا المنزل سنة تسع عشرة وستمائة: إنّه جاز بهذه البئر رجل غريب فسألني عن جبل الحيالة ونجوان والناجية فأنبأه عن الثلاثة الجبال فقلت له: ما شأنك تسأل عن هذه الجبال؟ قال: إني قرأت في بعض الكتب أن ما ينجوه في آخر العهد إلا من سكن هذه الثلاثة الجبال. فقلت له: فأي الجبال هم؟ فقال: نجوان وهو جبل بني عليه حصن عزان والجبلين الآخرين بقربه والله اعلم.
صفة باب المندب
1 / 36