ودخل سعيد إلى زبيد يوم السادس عشر من ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة. وقتل سعيد الأحول في وقعة حصن الشعرين سنة إحدى وثمانين وأربعمائة. فلما زالت دولة بني لصليحي والحبشة وملك مملكتهم علي بن المهدي وتولى بعده بنو مهدي عبد الله ومعاذ وعبد النبي فبنوا لعبي ضريحا فكانوا يقولون لعساكرهم المهاجرين والأنصار ويقولون: طوفوا حول تربة الشيخ علي بن المهدي كما تطوفون بروضة النبي (. وقالت العامة: جبل قوارير عفات والجنابذ الكعبة والبئر بئر زمزم وهذه التربة روضة محمد (. ويقال إنّ سيف الدولة أخذ من الجنابذ ملا عظيما، والآن يسكن فيه قوم من الفقراء من ذرية الشيخ محمد بن أبي بكر بن أبي الباطل الصيرفي وقد أدار حول الجنابذ بدر الدين محمود بن جماز الفلاح المصلي حائطا مربعا. وقد بنى جمال الدين أبو الحسين علي بن محمد بن وهيب درجا يصعد فيها إلى فوق القباب بحماره. فكان أهل زبيد يقولون إذا رأوه على ذلك: محمد قد ركب البراق وصعد إلى أعلى عليين، وكان آخرون يقولون ركب عيسى حماره. ويقال لمّا بنيت مساجد وقيل تربة بعض أهله وكتب داخل القباب بالذهب واللازورد ونقش في الجص نقشا يبقى ببقاء العالم على هذا الوضع. قال ابن المجاور: وصلت إلى المسجد في أواخر ذي الحجة سنة ست وعشرين وستمائة. وشاهدت مقتل الصليحي وكان قد بنى على أكمة كانت بالقرب منه مسجد يسمى مسجد عرفات ولم يبق من المسجد ألا رسوم وأطلال. وجميع تلك الأراضي التي هي حول المسجد ملك القاضي إبراهيم بن صالح الحاكم بالمهجم. وهذه صفة مدينة زبيد والله سبحانه أعلم وأحكم.
صفة دار شخار بن جعفر
لمّا أقام أبن زياد في زبيد بني شخار بن جعفر دار الملك في زبيد ذات طول عرض بالآجر والجص بناء وثيقا على مقاطع الطريق وكل من تولى بزبيد سكنها وكان له باب عالٍ بالمرة ينظرون منه من في الطريق على فرسخين، وحفر حوله خندق عظيم عريض. وبقى الباب على حاله إلى أن هدمه المسعود يوسف أبن أبي بكر سنة ثمان عشرة وستمائة. ويقال إنما سعي في هدمه إلا الأمير أبيك العزيزي فلما هدمه اخذ آجره بني به دورا وكل ما بني من آجره انقطع ذلك البناء من الأساس، وقد بقي إلى الآن آثار ذلك الباب والدرجة شبه الحبل العالي والله اعلم.
ذكر انقطاع العرب من تهامة
لمّا كثر نزول العرب بها قام القائد ريحان الكهلاني مولى سعيد بن نجاح كبس العرب ليلًا وهم مرتبون على باب زبيد وكانوا في ثلاثة آلاف فارس وعشرة آلاف رجل وحمل عليهم فلم ينج منهم إلا اليسير وهلك الباقون فسلم العرب تهامة بعدها والله سبحانه اعلم واحكم.
ذكر النخل
أوّل من غرس النخل الأمير علي بن محمد الصليحي، ويقال الحبشة في أوّل دولة على بن المهدي. لمّا حضروا الحبشة وصلت غير من أرض الحجاز حملهم التمر فكانوا يأكلون التمر ويرمون النوى فمن نداوة الأرض طلع النخل، فلما رأت أهل البلاد ذلك وعرفوا غرسه وغرسوه وكثر النخل. وهو عشر قطع: الأبيض والكديحا والمجرشية والمحلة والأثيل والمجاز وكروة المحجر والقهيرا والمغارس وحجنة وكل واحدة من هذه القطع يكون عرضها وطولها ربع فرسخ. وإما الرطب الذي بها فثلاثة أصناف: حماري وصفاري وخضاري كلها ذات ألوان مختلفة. فإذا حمل النخل يتقبل كل واحد من الناس على قدره ويجيء إليه الناس من باب حرض إلى آخر أعمال أبين وينزل أهل الجبال إلى تهامة. وكم من امرأة تطلق من جهة النخل وكم تنكح امرأة من جهة النخل! قال الشاعر:
هذا الشقح واللقح والطلح منه قد افتتح
يا غازلات اغزلوا فالنخل قد صار بلح
وقال آخر:
من عرف النخل والقبالة ... أمسي وفي قبله ذبالة
وعاش فيه معاش سوء ... وناله الدين لا محالة
1 / 30