तारीख मिस्र मिन फथ उथमानी
تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر
शैलियों
وكان كليبر بعد معاهدة العريش قد سمح لجيش الصدر الأعظم بدخول مصر، فسار وعسكر بجهة «بلبيس»، ثم انتشر عسكره في ضواحي القاهرة والأقاليم المحيطة بها يجمعون المعونات والضرائب، ودخل كثير منهم المدينة، وغفلوا عن احتلال القلاع والحصون التي أخلاها الفرنسيون. فلما تحقق الفرنسيون تغير نية الإنجليز انتهزوا فرصة تشتت الجيش العثماني وأوقعوا بكل قسم منه على انفراده بغتة، وكانت الواقعة الفاصلة بعين شمس؛ فانهزم الترك وتبعهم الفرنسيس إلى «الصالحية»، فتقهقروا إلى الشام.
ولما عاد كليبر إلى مصر وجد أن رؤساء العثمانيين الذين بقوا بالقاهرة هم وبعض المشايخ والتجار أثاروا أهلها وعامتها على الفرنسيس، فهاجوا وملكوا البلد وحصنوا مداخل الدروب ومنعوا الفرنسيس من دخول المدينة؛ فحصلت بين الطرفين مناوشات عظيمة انتهت بعد نحو ثلاثين يوما بإبرام الصلح بينهما على أن يخرج العثمانيون إلى بلادهم، وأن يغرم العلماء والأهلون نحو عشرة آلاف ألف فرنك.
أما شأن مراد بك ومن معه من المماليك في هذه الثورة، فإنهم جاءوا إلى «دير الطين» - الساحل القبلي - ينتظرون لمن يكون الغلب فيكونون معه، فلما حدث ما حدث رجعوا إلى الصعيد.
وبذلك رجع للفرنسيس نفوذهم في مصر ، إلا أنه لم يمض قليل حتى قتل «القائد كليبر» غيلة؛ قتله «سليمان الحلبي» أحد طلبة العلم من نزلاء السوريين، بإيعاز من أحد زعماء المماليك - على ما قيل - وذلك في (20 المحرم سنة 1215ه/14 يونيو سنة 1800م).
فعهد بقيادة الجيش الفرنسي إلى القائد «مينو»، وكان أقل كفاءة من كليبر غير محبوب من الجيش مثله، وكان شديد الميل إلى البقاء بمصر، فتظاهر باعتناق الإسلام وتسمى «عبد الله مينو»، وتزوج ببنت أحد كبار المصريين من أهل رشيد.
ولم يفتر الإنجليز عن العمل على إخراج الفرنسيس من مصر؛ ففي شهر (شوال سنة 1215ه/فبراير سنة 1801م) أرسلوا جيشا بقيادة «السير رلف أبركرومبي» فوصلت السفن الإنجليزية إلى الإسكندرية، وأنزلت الجنود بجهة «بوقير»، ثم وصل جيش عثماني وانضم إليهم. فعهد مينو بقيادة مدينة القاهرة إلى القائد «بليار» وجاء بمعظم الجيش الفرنسي إلى الإسكندرية؛ فالتحم الفريقان في موقعة فاصلة عند «كانوب» قرب بوقير انهزم فيها الفرنسيس وتراجعوا إلى الإسكندرية، فحوصروا بها ومات «أبركرومبي» في هذه الواقعة فعهد بالقيادة إلى «هتشنسن»، وفي أثناء ذلك تقدم الجيش التركي الذي كان بالعريش، فسار هتشنسن للانضمام إليه بعد أن عهد بفتح الإسكندرية إلى أحد قواده.
فالتقى الجيشان بجهة «الرحمانية» وسارا نحو القاهرة، فلم يأنس بليار من نفسه مقدرة على صدهم وعرض عليهم الصلح على أن تخرج الجيوش الفرنسية من مصر وتسافر مخفورة إلى فرنسا على نفقة الحكومة الإنجليزية، فقبل الإنجليز ذلك، وأنزلت الجنود الفرنسية بقوارب في النيل إلى رشيد وبوقير ونزلوا هنالك في السفن التي أعدت لهم.
فدخلت الجنود العثمانية وبعض رجال الجيش الإنجليزي إلى مصر ومعهم من أمراء مصر إبراهيم بك الكبير والبرديسي والألفي والسيد عمر مكرم وغيرهم، فامتلأت قلوب الأمة المصرية فرحا لتخلصهم من أذى الفرنسيس وجورهم.
أما عبد الله «مينو» فكان قد أصر على الدفاع عن الإسكندرية، فشدد الإنجليز والعثمانيون عليه الحصار، وانتهى الأمر بقبوله التسليم والخروج من مصر بنفس الشروط التي سلم بها «بليار»، فسافر بجنوده إلى فرنسا في (اليوم العاشر من جمادى الأولى سنة 1216ه/18 سبتمبر سنة 1801م)؛ وبذلك تم جلاء الفرنسيس عن مصر بعد أن قضوا فيها نحو ثلاثة أعوام.
ذكرنا فيما تقدم أن نابليون أحضر معه إلى مصر نحو مائة رجل من أكبر علماء فرنسا الملمين بكل فن وعلم، وكان أهم غرض من إحضارهم الانتفاع بآرائهم في كل ما يلزم للجيش والجالية التي كان يرمي نابليون إلى توطينها بالبلاد، فلم يكد رجال البعث يبلغون الديار المصرية حتى انكبوا على دراسة جميع ما فيها من آثار ونبات وحيوان ومعادن، ورسموا كل شيء ووصفوه وصفا مسهبا، وقد نجحوا في أعمالهم نجاحا تاما حتى إنه قيل في وصف الحملة الفرنسية: «إنها كانت علمية أكثر منها حربية.»
अज्ञात पृष्ठ