तारीख मिस्र मिन फथ उथमानी
تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر
शैलियों
وكان مرسيني أمير البحر البندقي في الوقت نفسه يظهر نشاطا عظيما في البحر الأبيض المتوسط؛ إذ أخضع في عام (1098ه/1686م) أهم بلاد المورة، ولم يأت عام (1106ه/1694م) حتى خسرت الترك كل أملاكها في بلاد «اليونان» وعلى الساحل «الأدرياتي».
وكانت قد قامت ثورة في عام 1688 في القصر السلطاني، كانت نتيجتها عزل محمد الرابع وتولية ابنه سليمان الثاني (1098-1102ه/1687-1691م)، فعهد هذا أمر الصدارة العظمى إلى «مصطفى كبريلي» أخي أحمد كبريلي؛ فأظهر ما هو مشهور عن رجال هذه الأسرة من شدة البأس وسعة الخلق؛ فاتبع سياسة التسامح الديني في كل أنحاء الدولة، وأعاد النظام في الجيش، فلم يمض عامان من توليته زمام الأمور حتى أصبح النصر حليف الترك؛ ففي عام (1102ه/1690م) استرجع مصطفى كبريلي «نيش» و«بلغراد» وغزا «المجر»؛ ولكنه هزم وقتل في سنة (1103ه/1691م) في واقعة «سلانكمن» على يد حاكم «بادن».
وبموت هذا الرجل قضي على آمال الترك المرجوة. واستمرت الحرب بعد مدة ثمانية أعوام كان النصر فيها سجالا، إلا أن جيوش الإمبراطور وجيوش البندقية بقيت محافظة على «المجر» و«ترانسلوانيا» وبلاد «المورة»، وفي عام (1108ه/1696م) انتصرت الجيوش النمسوية بقيادة البرنس «يوجين» نصرا مبينا على السلطان «مصطفى الثاني» (1106-1115ه/1695-1703م) الذي كان يقود الجيش بنفسه عند «زنتا».
وابتدأ يظهر شأن بطرس الأكبر - قيصر الروس العظيم - فدخل في هذه الآونة الحرب وأخذ من العثمانيين بلدة «آزاق». فلما رأى السلطان حرج موقفه، وأن لا فائدة من امتداد أمد الحرب - إذ أيقن أنه بانقراض أسرة كبريلي قد انقضى عصر الفتوح - عقد صلح «كارلوتز» سنة (1110ه/1699م)، وكان أهم شروطه أن يسترجع الإمبراطور كل بلاد «المجر» - ما عدا تمسوار - والجزء الأعظم من كرواتيا و«سلافونيا»، وأن تكون له السيادة على «ترانسلوانيا». أما بولندا، فإنها استرجعت «بادوليا» وفيها «كامنيك»، وتنازلت الدولة أيضا عن آزاق ل «الروسيا». وأما البندقية، فإنها بقيت في بلاد المورة. ومنذ هذه المعاهدة سقطت هيبة الدولة من أعين دول أوروبا سقوطا نهائيا. (6) الدولة العثمانية وحروبها مع الروسيا والنمسا في القرن الثامن عشر
أخذت الدولة العلية تضعف شيئا فشيئا خلال القرن الثامن عشر؛ وذلك يرجع إلى سببين عظيمين؛ الأول: نهوض الأمة الروسية وتحالفها مع النمسا على الأتراك لبسط سلطانها وطرد الأتراك من أوروبا، والثاني: اختلال النظام وسوء الإدارة في البلاد العثمانية وثوران من فيها من الشعوب المختلفة في وجه الدولة.
ولما ظهرت علامات الضعف والاضمحلال في الدولة أخذت دول أوروبا تنظر فيما سيئول إليه أمرها، ومن يكون الوارث لأملاكها، وتعرف هذه المسألة عندهم «بالمسألة الشرقية»، ويرجع تاريخها إلى عام (1108ه/1696م) عندما استولى الروس على مدينة «آزاق» التي تنازلت عنها الدولة للروسيا رسميا في معاهدة «كرلوتز»، كما تنازلت أيضا عن بعض ممتلكاتها إلى النمسا؛ وبذلك دخلت سياسة الشرق الأدنى في طور جديد.
وبعد هذه المعاهدة وقف تيار تقدم الروس في الجنوب فترة؛ وذلك لما تنازلوا للترك عنه في معاهدة «بروث» الآتي ذكرها سنة (1123ه/1711م) بعد أن انهزمت الروسيا هزيمة منكرة. ولكن ما لبثت هذه الفترة أن انقضت وعادت الروسيا إلى مناوأة الترك طول القرن الثامن عشر بلا انقطاع.
وكان ضعف الدولة المستمر في خلال هذا القرن سببا لمشاكل جديدة وارتباكات شديدة بين دول أوروبا؛ فبينما كانت الروسيا تبذل جهدها لبسط سلطانها على البحر الأسود، كانت النمسا - من جهة أخرى - تعمل طاقتها لمد أملاكها على نهر الطونة، إلا أن عمل كل من الروسيا والنمسا كان داعيا لقلق فرنسا وتدخلها، وفي سنة (1188ه/1774م) ابتدأت مقاصد الروسيا تظهر جليا بعد معاهدة «كجوك قينارجة» - كتشك كينارجي - التي سيأتي ذكرها، ففطنت إنجلترا للأمر، وأخذت تخاف انحلال عرى الدولة العثمانية، كما أخذت أوروبا من ذلك الحين تهتم أيضا بالمسألة الشرقية وتنظر إن كان بقاء الدولة وحفظ كيانها في أوروبا خيرا من ضمها إلى الروسيا أم لا.
وأول من عمل على توسيع نطاق الدولة الروسية وجعلها في مصاف دول أوروبا العظمى هو قيصرها بطرس الأكبر (1100-1137ه/1689-1725م)، وكانت قبل عهده بعيدة عن الحضارة الأوروبية، منزوية عن العالم المتمدين. فلما تولى هذا القيصر الملك عام (1100ه/1689م) خطا بها خطوات واسعة في سبيل العمران؛ إذ غير أنظمتها وسياستها الداخلية دفعة واحدة؛ فاتخذ «بتروغراد» مقرا لملكه بعد أن كان مدينة «مسكو»، وأدخل العادات ووسائل المعيشة الغربية في بلاده، وضرب بيد من حديد على سلطة الأشراف، ووضع الكنيسة والجيش - الذي دربه على الأنظمة الأوروبية - تحت مراقبته نفسه. أما سياسته الخارجية فلم تقل حزما وبعد نظر عن سياسته الداخلية؛ إذ رأى أنه لا يتسنى للروسيا أن تكون مملكة تجارية إلا إذا أرسخ قدمها على البحرين البلطي والأسود، وكان الأول في قبضة السويد والثاني في يد الترك؛ فجعل همه ابتداء منأواة السويد، وبعد حروب طويلة تم له مقصده في معاهدة «نيستاد» سنة 1721م؛ إذ تنازلت السويد للروسيا عن ليفونيا، وإيثونيا، وإنجريا، وكرليا، وغيرها.
أما الترك فأخذ منها آزاق في معاهدة «كرلوتز» كما سبق، إلا أن العثمانيين استردوها ثانية في عهد أحمد الثالث (1115-1143ه/1703-1730م)؛ وذلك أن الروس لما هزموا «شارل الثاني عشر» ملك السويد في موقعة «بلطاوا» لجأ شارل إلى الترك وطلب منهم المساعدة، فلبت الترك دعوته إذ وجدت في ذلك فرصة لاسترداد ما خسرته، فشنت الحرب على الروسيا. وبعد مواقع عنيفة تمكن القائد التركي «بلطجي باشا» من حصر الجيش الروسي ووشك القبض على قيصر الروس عند نهر «بروث»، ولكنه نجا من الأسر بما قدمته زوجته «كترين» من الرشوة إلى الخائن «بلطجي باشا»، فأفلت بطرس وجيشه - بل روسيا الجديدة كلها - من براثن الفناء، واضطرت الدولة بعد هذه الغلطة الشنيعة إلى عقد صلح «بروث» عام 1171م الذي استرجعت به من الروسيا ميناء «آزاق». ويعتبر عقد الروس لهذه المعاهدة - على ما نالهم فيها من الخسائر الطفيفة - من أكبر سعودهم؛ إذ لو لم تتقيد بها الترك وواصلت عليهم الحرب، لقضت - لا محالة - على دولتهم وهي في إبان نهضتها.
अज्ञात पृष्ठ