137

तारीख मिस्र मिन फथ उथमानी

تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر

शैलियों

ومع ذلك ابتدأ محمد علي يحصن مدينة الإسكندرية على يد مهندسين فرنسيين، وذلك حينما أجبرته الدولة على تنقيص جيشه إلى ثمانية عشر ألف جندي. وأرسل حفيده عباس باشا إلى الباب العالي يلتمس منه أن يمنحه تقليدا أوسع نطاقا من الأخير، فأرضاه الباب العالي بأن منحه لقب الصدارة العظمى من غير أن يجيبه إلى طلبه.

ولكن شاءت المقادير إلا معاكسة محمد علي؛ ففي سنة (1259ه/1843م) انتشر طاعون الماشية في البلاد وتبعه هبوط النيل؛ فأصبحت البلاد على حافة الخراب. وفي العام نفسه اجتاح الجراد زراعة البلاد فتركها قاعا صفصفا؛ وبذلك وقف دولاب الحكومة، واستولى الرعب والوجل على قلوب حكام البلاد، فاجتمع مجلس في القاهرة وكتب تقريرا عن سير الأحوال في البلاد وما آلت إليه من الانحطاط، إلا أنهم لاقوا صعوبة عظيمة في تبليغ هذا التقرير إلى الباشا، ولما وصل إليه استشاط غضبا. وكان يخاف أن يخلعه ابنه إبراهيم، ففكر في التخلي عن الملك والذهاب إلى مكة ليقضي باقي أيامه فيها، فتوسط سفراء الدول، وأزالوا ما في نفسه نحو ابنه البار.

وابتدأت بعد ذلك الأحوال تتحسن شيئا فشيئا في السنتين التاليتين، إلا أن صحة إبراهيم في هذه الأثناء اضمحلت دفعة واحدة، فأشار عليه الأطباء بالسفر إلى أوروبا، فعمل بذلك. وبعد أن طاف في كثير من البلدان - خصوصا إيطاليا وفرنسا وإنجلترا - رجع إلى الديار المصرية وعلامات الصحة بادية عليه، فلم يجد والده هناك، بل علم أنه سافر إلى مقر الخلافة (رجب سنة 1262ه/يونيو سنة 1846م) ليحظى بالمثول بين يدي الخليفة ويقدم له ولاءه وطاعته.

وقد قوبل محمد علي من الخليفة بكل حفاوة وإكرام، وهنا تقابل مع أشد أعدائه خسرو، فتعانقا طويلا واتفقا على تناسي الماضي. ولما طالت مدة إقامة محمد علي في دار الخلافة ابتدأ رجال القصر يعاملونه معاملة قاسية؛ فأثر ذلك في صحته تأثيرا سيئا، فلما رجع إلى مصر في أواخر ذلك العام كان أشبه بالشبح منه بالإنسان.

وفي أثناء عودته زار مسقط رأسه «قولة» التي تركها منذ عام (1214ه/1799م)، وبعد ذلك ترك مقاليد الأمور لحفيده عباس باشا الأول؛ لأن حالة إبراهيم الصحية لم تمكنه من القيام بأعباء الأمور في البلاد. وكانت خاتمة أعمال محمد علي وضع أول حجر أساسي للقناطر الخيرية في (22 ربيع الآخر سنة 1263ه/أبريل سنة 1847م) بين جم غفير من المشاهدين.

ثم أشار الأطباء ثانيا على إبراهيم بالسفر إلى أوروبا، وفي مدة غيابه ذهب والده إلى نابلي في إيطاليا، حيث سمع بخلع «لويس فليب» ملك فرنسا، فتذكر خدماته له في الأزمة الأخيرة، وعزم على تجريد حملة لإرجاعه إلى عرشه، فلما علم بذلك إبراهيم قفل راجعا إلى مصر.

جامع محمد علي (بالقلعة).

وفي (شعبان سنة 1264ه/يوليو سنة 1848م) أصدر الباب العالي تقليدا بتولية إبراهيم باشا على الديار المصرية، فذهب لتقديم ولائه إلى الباب العالي في القسطنطينية، وبعد عودته بزمن يسير جدا، عاوده المرض الذي أضنى صحته منذ سنين عديدة، فقضى على ذلك الرجل العظيم في (13 ذي الحجة سنة 1264ه/نوفمبر سنة 1848م) ودفن بالقرافة، وبموته رجع عباس باشا من مكة، فتقلد الأمور في البلاد، ثم سافر توا إلى القسطنطينية ليتسلم تقليد التولية.

أما محمد علي فلم يمكث بعد تولية عباس إلا أشهرا قلائل، كان في أثنائها منحط القوى العقلية والجثمانية جملة لكبر سنه، إلى أن فاضت روحه بالإسكندرية في (13 رمضان سنة 1265ه/2 أغسطس سنة 1849م)، وبذا انتهت حياة عظيم من أكبر رجال الشرق.

ونقلت جثته إلى القاهرة حيث دفنت بمسجده الذي شيده بالقلعة سنة (1246ه/1831م)، وهو من أجمل المباني التي شيدت بمصر على الطراز التركي الحديث.

अज्ञात पृष्ठ