तारीख मिस्र मिन फथ उथमानी
تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر
शैलियों
أما حسين باشا فإنه نفي إلى نهر الطونة بعد أن ألقى خسرو باشا كل اللوم على عاتقه، وطلب خسرو ثانية من الباب العالي أن يوليه قيادة الجيش ويمنحه ولاية مصر، فأبى السلطان عليه ذلك وعهد بقيادة الجيش إلى «رشيد محمد باشا» وهو أحد رجال الدولة العظام؛ اشترك مع إبراهيم باشا في حرب «المورة»، وخاصة في حصار «مسولونجي»، واشتهر بعدها بمحاربة مصطفى باشا والي أشقودرة عند خروجه على الدولة. فعزم خسرو على إحباط مساعي مناظره الجديد كما قضى على حسين باشا وجيشه من قبل.
ويظهر أن خسرو كان يعتقد أن من مصالح دول أوروبا المحافظة على كيان الدولة العلية؛ فكان لا يهمه هزيمة جيش حسين باشا، أو القضاء على جنود رشيد باشا أمام جيش محمد علي؛ إذ كان على يقين أن الدول العظام لا تسمح لمحمد علي أن يجني ثمار انتصاراته. ولا غرابة، فقد أحس محمد علي بخطر تدخل الدول، ورحب بالصلح عندما كان جيش إبراهيم في أطنة، غير أنه طلب من السلطان ولاية سورية فلم يقبل.
وفي هذه الأثناء طلب إبراهيم باشا من والده المدد، فسير له جيشا مؤلفا من 50000 مقاتل، وأمره بمواصلة القتال والزحف، فتقدم في زحفه حتى وصل إلى «قونية». وفي خلال ذلك جمع رشيد باشا جموعه عند «أخشير» - شمالي قونية - وكانت الدولة وعدته أن تمده بعساكر البشناقيين هناك، فخندق عند أخشير وعزم على انتظار هجوم المصريين في هذا المكان، غير أن خسرو باشا لم يرسل له المدد واستبقاه في القسطنطينية، محتجا بأن ما لديه من الجند كاف للتنكيل بجيش محمد علي، ثم سعى في إرسال الأوامر إلى رشيد بالإسراع في مهاجمة المصريين خوفا من تدخل الروسيا، فأمر السلطان رشيد باشا بالهجوم على المصريين، فحاول رشيد باشا إقناع السلطان أنه ليس لديه مئونة في أخشير، وأن الجيش في حالة يرثى لها.
وفي أثناء هذه الأزمة وصل «الكونت مورافييف» الروسي إلى القسطنطينية في خدمة خاصة، فساعد خسرو في آرائه، فكانت النتيجة أن رشيد باشا لم يجب إلى طلبه وترك للقضاء والقدر.
على أن الجيش المصري كان في حالة صعبة جدا لما كان يقاسيه من البرد، ولو انتظر رشيد باشا قليلا لاضطر إبراهيم إلى التقهقر، ولكنه عجل بمناجزته حسب أوامر السلطان. وكان جيش إبراهيم حينئذ لا يتجاوز الثلاثين ألف مقاتل.
وبعد أن تأهب الجيشان تقدم الجيش العثماني إلى الأمام، أما الجيش المصري فمكث في مكانه لا يبدي حراكا، وكان الضباب الكثيف الكثير الانتشار في بلاد الأناضول - وفي مثل هذا الشهر خاصة - سادلا أستاره على الجيشين ومخفيا كلا منهما عن الآخر؛ ولذلك لم يبدأ إبراهيم باشا بالضرب كي لا يعرف العدو مكانه. أما رشيد باشا فبمجرد وصوله على مسافة 400 متر ابتدأ بإطلاق النار، فعلم إبراهيم باشا وسليمان باشا ترتيب الجيش العثماني وتفريق مدفعيتهم، ثم شاهد أيضا سليمان باشا أن المشاة العثمانية انفصلت بسبب الضباب عن الفرسان، فأمر المشاة المصرية بالدخول بين الفريقين ليستحيل اجتماعهما ورجوعهما إلى ما كانا عليه من الالتئام. ولقد أوقعت هذه الحركة الرعب والفزع في قلوب الترك، وأخذتهم الدهشة، إلى أن فاجأتهم الفرسان المصرية وأعملت في فرسانهم السيف فبددت شملهم، ووجهت المدفعية المصرية نارها على مشاة الترك فحصدتها حصدا. ولما رأى رشيد باشا أن لا مناص من الهزيمة اجتهد أن يستجمع جناح جيشه الأيسر فلم يفلح، ووقع أسيرا في يد المصريين، فجاءوا به إلى إبراهيم باشا، ولما علم الجيش بأسر قائدهم ولوا الأدبار؛ وبذلك انتهت واقعة «قونية» الفاصلة (27 جمادى الآخرة سنة 1248ه /21 نوفمبر 1832م).
وقد فرح سكان آسيا الصغرى فرحا عظيما بانتصارات إبراهيم. أما هو فتقدم بجيشه إلى «كوتاهية» غربي «أخشير» وهدد «بروسة»، في الوقت الذي كان فيه بعض جنوده وعماله قد أخضعوا أكثر بلاد الأناضول، وأصبح اسمه ذا تأثير عظيم في قلوب القوم، حتى إن أربعة من جنده وضابطا واحدا استولوا على مدينة «أزمير» العظيمة.
9
ولما وصلت أخبار هذه الهزيمة إلى الأستانة حنق الباب العالي وخاف من ضياع ملكه؛ لأن بلاد آسيا الصغرى تعتبر قلب الدولة وحصنها المكين.
عند ذلك مدت الروسيا يد المساعدة للدولة العثمانية، فطلبت من الباب العالي أن يسمح لها أن ترسل له قوة بحرية وأخرى برية لمساعدته، إلا أن السلطان محمودا الثاني توانى في قبول ذلك، وفاوض محمد علي في شروط الصلح، فلم يرض إلا بكل بلاد سورية وولاية «أذنة» - أطنة. وفي هذا الحين أرسلت الروسيا القائد «مورافييف» يلتمس من محمد علي بكل وداد واحترام إيقاف إبراهيم عن الزحف على الأستانة.
अज्ञात पृष्ठ