105

तारीख मिस्र मिन फथ उथमानी

تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر

शैलियों

وفي عام (1227ه/1812م) أرسل محمد علي مددا إلى طوسون بطريق القصير، فسار به نحو المدينة، ودخلها عنوة بعد أن دوخ الوهابيين؛ وكانت هذه ضربة قاضية على سعود الثاني، وابتدأ المذهب الوهابي يتدهور بعض الشيء، ثم ذهب طوسون توا إلى مكة بطريق جدة، فلم يلق إلا الإكرام من شريف مكة وسلمه مفاتيح الكعبة، فأرسلها طوسون هي ومفاتيح الحجرة الشريفة إلى والده، فأرسلها إلى الباب العالي يبشره برجوع الحرمين إلى حوزته. وأراد بعد ذلك طوسون أن يقتفي أثر الأعداء في داخل البلاد؛ فهزمه الوهابيون شر هزيمة عند «طربة»، وهي بلد صغيرة في شرقي مكة وعلى مقربة منها. وكانت خسائر هذه الهزيمة عظيمة جدا، حتى إن سعودا زحف بجيشه على المدينة ثانية وهددها بالأخذ عنوة.

ولما وصل خبر هذه النكبة إلى محمد علي، عزم على أن يتولى قيادة الجيش بنفسه، فأخذ العدة لذلك، وتوجه إلى الأقطار الحجازية، ولما وصل هناك أدى فريضة الحج، ثم علم من بعض الأفراد أن الشريف غالبا مذبذب في ولائه، فاحتال في القبض عليه بواسطة طوسون ابنه، وأرسله إلى القسطنطينية حيث قتل هناك بعد مدة وجيزة.

ثم ابتدأ محمد علي بعض مناوشات مع الوهابيين لم تكن فاصلة، وكان كلا الفريقين يخاف منازلة خصمه.

وفي أوائل سنة (1229ه/1814م) مات سعود الثاني، وبموته فقد الوهابيون أعظم ساعد وأكبر بطل، بلغت في مدته دولتهم شأوا بعيدا لم تبلغه من قبل ولا من بعد؛ فإن عبد الله ابنه الذي خلفه كان أقل منه ذكاء وفروسية وقدرة. وكان آخر ألفاظ فاه بها سعود يوصي بها ابنه الأكبر: «يا عبد الله، لا تدخل في حرب مع الترك في ميدان مكشوف أبدا، والزم أنت وعساكرك في حربهم المواقع الصعبة حتى لا يتيسر لهم النصر، وخذ لنفسك الحذر، ولا راد لقضاء الله وقدره.» ولو اتبع عبد الله هذه النصيحة لما تغلب عليه المصريون قط، إلا أنه خالف والده، والتحم مع محمد علي في أول واقعة عند «بيصل» حيث دارت الدائرة فيها عليه، وذلك في سنة (1230ه/1815م).

ثم حصلت حوادث في هذه الفترة اضطرت محمد علي أن يرجع إلى مصر، منها أنه لما علم بهرب نابليون من منفاه في «إلبا»، وتوقع احتمال غزو الترك للبلاد المصرية، رجع مسرعا بطريق القصير فقنا، ووصل القاهرة في اليوم الذي جرت فيه موقعة «ووترلو». ومنها أنه علم أيضا بتدبير مؤامرات على عزله وقتله، وظن أن ذلك بإيعاز من رجال الباب العالي، أما رئيس المؤامرة فهو «لطيف باشا» أحد المماليك، وكشف سر هذه المؤامرة «الكخيا لاظ أوغلي باشا»، فقتل لطيفا ومن معه بعد أن حاول الهرب والاختفاء، وكان غرضه أن يكون واليا على مصر إذا نجح في قتل محمد علي.

وعند عودة محمد علي هم بتنظيم جيشه على الطراز الغربي، فأبى عليه ذلك الجند، مقلدين الأتراك في ذلك، ولما علم طوسون بتلك الفتن والقلاقل من جهة، وتألب الجيش عليه من جهة أخرى عاد مسرعا إلى مصر، وتوفي بالإسكندرية عقب مرض لم يمهله أكثر من عشر ساعات.

وكان قبل سفره قد عقد شروط صلح مع الوهابيين، إلا أنهم نبذوها ظهريا؛ ولذلك جهز محمد علي حملة أخرى إلى بلاد العرب بقيادة ابنه إبراهيم باشا في (شوال سنة 1231ه/سبتمبر 1816م). ولم يسلك إبراهيم طريق السويس، بل نزل في النيل بجنده - في سفن أعدت لذلك الغرض - إلى قنا ، ومن ثم على ظهور الإبل إلى القصير، ثم إلى ينبع، ومنها إلى طريق المدينة المنورة.

قد أعمل الفكرة ذلك البطل العظيم في استنباط الخطط الحربية التي وقفته بين صميم عظماء الرجال ومشاهير القواد، وأعانه على تنفيذ تلك الخطط مهرة الضباط والمهندسين الفرنسيين، على أن والده قد أوصاه أن يحارب كل قبيلة معاضدة للعدو على انفرد؛ ليكون بذلك أقدر على الفتك بجنودها، وتفريق كلمتها وتمزيقها شر ممزق، كما نصح له ألا يتوغل داخل البلاد، وحذره من الإغارة على الدرعية من طريق غير طريق المدينة المنورة؛ ليحفظ لنفسه خط الرجعة، وليكون وصول المدد إليه من السهولة بمكان. وأول موقعة التحم فيها جيشه مع الوهابيين كانت عند «الريس» سنة (1232ه/1817م)، وفي هذه الملحمة انهزم جيشه هزيمة لم تثن من عزمه، ولم تفت في ساعده، بل استمر سنة كاملة في كفاح وجلاد، حتى ذلل كل صعوبة اعترضته في هذا المضمار؛ ولذلك أخضع قرى كثيرة، وصار قاب قوسين أو أدنى من الدرعية حاضرة الوهابيين، وهي على بعد 400 ميل من المدينة المنورة التي اتخذها قاعدة لأعماله الحربية.

وابتدأ إبراهيم باشا في حصار الدرعية في (جمادى الآخرة سنة 1233ه/أول شهر أبريل سنة 1818م)، فمكث مدة يعالج فتحها وهو مستعص عليه، وفي غضون ذلك انفجر مخزن ذخيرته فلم تفتر همته ولم يساوره اليأس؛ لأنه كان على يقين من استياء العالم الإسلامي أجمع من فظاعة الوهابيين، هذا إلى أن تلك الحروب في الحقيقة كانت حربا بين العنصرين التركي والعربي، وكلاهما يود لو يضعف الآخر أمامه، فيميل عليه ميلة واحدة يكون فيها القضاء المبرم عليه.

عبد الله سعود في سرادق إبراهيم باشا.

अज्ञात पृष्ठ