तारीख मिस्र हादिथ
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
शैलियों
ثم خرج إلى الوجه البحري فأسرف في قتل من هناك من لواته، واستصفى أموالهم، وأزاح المفسدين، وأفناهم بأنواع القتل ، وصار إلى البر الشرقي فقتل منهم كثيرا، ونزل إلى الإسكندرية، وقد ثار بها جماعة مع ابنه الأوحد فحاصرها أياما من محرم سنة 477ه إلى أن أخذها عنوة، وقتل جماعة ممن كان بها، وعمر جامع العطارين من مال المصادرات، وفرغ من بنائه في ربيع الأول سنة 479ه ثم سار إلى الصعيد فحارب جهينة والثعالبة، وأفنى أكثرهم بالقتل، وغنم من الأموال ما لا يعرف قدره كثرة، فصلح حال الإقليم بعد فساده.
وكان يسعى جهده في إسعاد المصريين؛ لينسيهم ما قاسوه طويلا فنشط الزراعة، وأباح الأراضي للمزارعين ثلاث سنين حتى ترفهت حال الفلاحين واغتنوا، وسهل سبل التجارة، فتقاطر التجار إلى مصر؛ لكثرة عدله بعد نزوحهم منها في أيام الشدة، وأمر بإنشاء البنايات العظيمة في القاهرة وغيرها من المدن الكبيرة، وشاد الجوامع في الإسكندرية والقاهرة وجزيرة الروضة قرب المقياس، وكان المقياس قد اختل فأصلحه إصلاحا يصح أن يقال فيه: إنه بناه ثانية، وبنى دار الوزارة الكبرى، ودعيت بالدار الأفضلية، وسكنها ولم يزل يسكنها بعده من يلي إمرة الجيوش إلى أن انتقل الأمر إلى بني أيوب فاستقر سكن الملك الكامل في قلعة الجبل خارج القاهرة، وأسكنها السلطان الملك الصالح ولده، ثم أرصدت دار الوزارة لمن يرد من الملوك ورسل الخليفة.
وعادت سطوة الخليفة السياسية والدينية إلى الديار المصرية وغيرها، وعادت مكة إلى مبايعة المستنصر بعد أن قضت خمس سنوات تخطب للخليفة القائم بأمر الله العباسي في بغداد، ورفعوا الغطاء الأسود عن الكعبة، ووضعوا مكانه الغطاء الأبيض
1
وعليه اسم المستنصر بالله ولقبه، وبقيت مصر بعد ذلك 20 سنة لم يحدث فيها ما يهم التاريخ ذكره، وأقل الأمم ذكرا في التاريخ أسعدها.
أما سوريا فإن الأمير أتسز أحد الأمراء التركمانيين اغتنم غياب بدر الجمالي فقدم إليها غازيا فاستولى على بيت المقدس وطبرية وما بعدها حتى دمشق. ثم تحول إلى مصر في 20 ألف مقاتل، وعسكر في سهل بجوار القاهرة، وكانت الجيوش المصرية مشتغلة في إخماد ما بقي من نيران الثورة في الصعيد فاضطرب أهل القاهرة، ولم ير بدر الجمالي بدا من مصالحة أتسز التركماني على 150 ألف دينار يدفعها له بعد خروجه من مصر. فقبل أتسز بتلك الشروط لكنها لم تدم أكثر من 50 يوما تمكن أمير الجيوش في أثنائها من حشد جيوشه من الصعيد، واجتذاب قلوب بعض كبار العربان الذين تتألف منهم معظم خيالة أتسز، وبعض رجال التركمان الذين أتوا معه. فلما صارت الجيوش المصرية بقرب القاهرة كتب أمير الجيوش إلى قافلة كانت تهيأت إلى الحج كتابا، ونصه: «إن الجهاد أعظم ثوابا عند الله من الحج فانضموا إلى جيوشنا.» فأطاعوه ففرق فيهم المال والسلاح. فلما تكامل عدد رجاله جمعهم وهجم على أتسز ذات صباح بغتة، وأحكم في رجاله السيف فانهزموا، وقد قتل جانب كبير منهم فتبعهم الأعراب والمصريون إلى مسافة بعيدة. ثم عادوا إلى معسكرهم فوجدوا فيه نحوا من عشرة آلاف ولد بين إناث وذكور قد أسرهم التركمان من مصر، وخسر التركمان على إثر تلك المعركة جيمع البلاد التي افتتحوها في سوريا، فدخلت في حوزة الخليفة المستنصر، ومات أتسز في دمشق أشقى موتة. (5-11) إصلاحات أمير الجيوش ومناقبه
فلم يعد أمام بدر الجمالي من يخالف أمره، ويقف في سبيل إرادته في إصلاح البلاد، وكان سور القاهرة قد تهدم بعضه فشرع في ترميمه وتقويته؛ فزاد فيه الزيادات التي بين بابي زويلة وباب زويلة الكبير وبين باب الفتوح الذي عند حارة بهاء الدين وباب الفتوح الآن، وزاد عند باب النصر أيضا جميع الرحبة التي تجاه جامع الحاكم إلى باب النصر، وجعل السور من لبن، وأقام الأبواب من حجارة، وبنى باب زويلة وعلى أبراجه، ولم يعمل له باشورة كما هي عادة أبواب الحصون من أن يكون في كل باب عطف حتى لا تهجم عليه العساكر في وقت الحصار، ويتعذر سوق الخيل من دخولها جملة. لكنه جعل في بابه زلاقة من حجارة صوانية عظيمة حتى إذا هجم عسكر على القاهرة لا تثبت قوائم الخيل على الصوان. فلم تزل هذه الزلاقة باقية إلى أيام السلطان الملك الكامل بن العادل الأيوبي، فاتفق مروره من هناك فاختل فرسه وزلق به، وأحسبه سقط عنه فأمر بنقضها فنقضت، وبقي منها شيء يسير، وكان أحدها في أيام المقريزي لا يزال موجودا قرب قبو الخرنفش، وبعد بضع سنين اضطرب القطر من عصبة ثارت تحت قيادة ابن بدر الجمالي لكنها لم تكد تأتي بضرر حتى انكسرت شوكتها.
وفي سنة 483ه أحصى أمير الجيوش الأراضي المصرية ومقدار خراجها، وقابله بما كان يحصله الحكام قبله؛ فرأى أن الخراج الذي كان يستخرج منها قبله لم يتجاوز مليونين وثمانمائة دينارا، أما في أيامه فتجاوز ثلاثة ملايين ومائة ألف دينار؛ لاعتنائه الخصوصي بالزراعة، وتنشيط التجارة، وكانتا رائجتين في أيامه، وما زال عاملا بنشاط إلى أوائل ذي الحجة سنة 487ه فتوفي في القاهرة وسنه ثمانون سنة بعد أن حكم في مصر عشرين سنة حكما مطلقا، وكان الجميع يحترمونه، وفي يده أزمة الأحكام يديرها بحكمة ودراية وثبات، فتكاثرت ثروة البلاد وخصبها إلى حد لم تبلغه قبلا، وكان ينشط الزراعة والتجارة والعلم والأدب على السواء، وكان شديد الهيبة وافر الحرمة مخوف السطوة، قيل: إنه قتل من مصر خلائق لا يحصيها إلا خالقها. منها نحو عشرين ألفا من البحيرة، ومثل ذلك من أهل دمياط والإسكندرية والغربية والشرقية وبلاد الصعيد وأسوان والقاهرة، إلا أنه عمر البلاد، وأصلحها بعد فسادها بإتلاف المفسدين من أهلها، ولا يزال أمير الجيوش معدودا لدى المصريين بمنزلة عمرو بن العاص، وأحمد بن طولون.
وكان محبا للأدباء يقرب الشعراء، ويطرب لسماع الشعر، ومن الشعراء الذين مدحوه: علقمة بن عبد الرزاق الفليمي، وقد حدث بعضهم عنه قال: «قصدت بدر الجمالي بمصر فرأيت أشراف الناس وكبراءهم وشعراءهم على بابه قد طال مقامهم ولم يصلوا إليه - قال - فبينا أنا كذلك؛ إذ خرج بدر يريد الصيد فخرج علقمة في أثره، وأقام إلى أن رجع من صيده فلما قاربه، وقف على نشز من الأرض، وأومأ برقعة في يده ، وأنشأ يقول:
نحن التجار وهذه أعلاقنا
अज्ञात पृष्ठ