तारीख मिस्र हादिथ
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
शैलियों
وكان أحمد بن عيسى بن شيخ الشيباني يتقلد جندي فلسطين والأردن، فلما مات وثب ابنه على الأعمال واستبد بها، فبعث ابن المدبر بسبعمائة وخمسين ألف دينار حملت من مال مصر إلى بغداد، فقبض ابن شيخ عليها، وفرقها في أصحابه، وكانت الأمور قد اضطربت ببغداد؛ فطمع ابن شيخ في التغلب على الشامات، وأشيع أنه يريد مصر.
وفي رجب سنة 256ه ذبح المهتدي في سامرا، وبويع المعتمد على الله وسنه 25 سنة، وهو ابن المتوكل الثالث؛ فبايعه الجميع إلا ابن شيخ فإنه لم يدع له ولم يبايعه لا هو ولا أصحابه، فبعث إليه بتقليد أرمينيا فوق ما معه من بلاد الشام، وفسح له في الاستخلاف عليها، والإقامة على عملها؛ فدعا حينئذ للمعتمد وبايعه، ثم كتب الخليفة سرا إلى ابن طولون أن يتأهب إلى حرب ابن شيخ، وأن يزيد في عدته، وكتب لابن المدبر أن يطلق له من المال ما يريد؛ فعرض ابن طولون الرجال، وأثبت من يصلح، واشترى العبيد من الروم والسودان، وجهز كل ما يحتاج إليه، وخرج في احتفال عظيم، وجيش كبير، وبعث إلى ابن شيخ يدعوه إلى طاعة الخليفة، ورد ما أخذ من المال، فأجاب بجواب قبيح؛ فسار أحمد في 6 جمادى الآخرة مستخلفا أخاه موسى بن طولون على مصر، وبينما هو في الطريق، ورد إليه كتاب الخليفة يدعوه إلى العود، فعاد إلى الفسطاط، ودخلها في شعبان، وأتى عوضا عنه لمحاربة ابن شيخ أماجور التركي، فلقيه أصحاب ابن شيخ وعليهم ابنه، فحاربهم أماجور؛ فانهزموا منه، وقتل قائدهم، واستولى أماجور على دمشق، ولحق ابن شيخ بأرمينيا، وتقلد أماجور أعمال الشام كلها، وهدأت الأحوال. (15-1) القطائع
أما ابن طولون فلما عاد إلى الفسطاط شرع في بناء الاستحكامات، وتحصين البلاد، وكان إلى ذلك الحين يسكن القصر الذي كان يسكنه أسلافه من ولاة الأحكام، ولم يكن هذا القصر داخل سور الفسطاط، بل كان في ضاحية العسكر، وكان العسكر أشبه بمدينة فيها الأسواق والشوارع والبناياب الجميلة، وكان كافيا لسكنى رؤساء الجيوش، وولاة الأمور.
أما في أيام ابن طولون فضاق ذرعا عن سعة مهماته وعبيده وتحفه، فأخذ يسعى في البحث عن محل آخر يفي بالمقصود مع قربه من الفسطاط، فصعد إلى المقطم، ونظر إلى ما حوله؛ فرأى بين العسكر والمقطم بقعة من الأرض مساحتها نحو ميل مربع لا شيء فيها من العمارة إلا بعض المدافن للنصارى واليهود، فاختارها للبناء، فأمر بحرث المدافن وهدمها، واختط في موضعها بناء عظيما دعاه القصر، ومحلا آخر بالقرب منه دعاه الميدان، وتقدم إلى أصحابه وغلمانه وأتباعه أن يختطوا لأنفسهم حوله، فاختطوا وبنوا حتى اتصل البناء بعمارة الفسطاط، ثم قطعت إلى قطائع، وسميت كل قطيعة باسم من سكنها، فكانت لغلمان النوبة قطيعة مفردة تعرف بهم، ولغلمان الروم قطيعة مفردة تعرف بهم، وللفراشين قطيعة مفردة تعرف بهم، ولكل صنف من الغلمان قطيعة مفردة تعرف بهم، وبنى القواد مواضع متفرقة؛ فعمرت القطائع عمارة حسنة، وتفرقت فيها السكك والأزقة، وبنيت فيها المساجد الحسان والطواحين والحمامات والأفران، وسميت أسواقها؛ فقيل: سوق العيارين، وسوق الفاميين، وهكذا البقالين، والشوايين ... إلخ، ولكل من الباعة سوق حسن عامر؛ فصارت القطائع المذكورة أبنية كبيرة أعمر وأحسن من الشام، وكان للقصر مجلس يشرف منه ابن طولون يوم العرض، ويوم الصدقة؛ لينظر من أعلاه من يدخل ومن يخرج.
واتسعت أحوال ابن طولون، وكثرت إصطبلاته وكراعه، وعظم صيته، فبلغ ذلك أماجور والي الشام؛ فأخذته غائلة الحسد، وخشي من مد سلطة ابن طولون إليه؛ فأخذ يسعى في خلعه، فكتب إلى الخليفة المعتمد على الله ما نصه: «إن قوات ومهمات ابن طولون أصبحت أعظم مما كانت لابن شيخ الذي لما ثار في سوريا لم نخضعه إلا بعد شق الأنفس، وهذا ابن طولون قد كثرت حاشيته، وقويت سطوته بالرجال والمال، وصار يخشى منه، والأمر لأمير المؤمنين.» وكتب ابن المدير مفتش الخراج أيضا مثل ذلك، وفي قلبه من أحمد ما تعلم من الضغائن، وتواطأ على ذلك مع كاتب سره شقير الخادم.
فأرسل المعتمد إلى ابن طولون أن يتخلف عن مصر حالا إلى سامرا، ويستخلف مكانه من يشاء، فلما بلغ ابن طولون ذلك الأمر هم إلى القيام به، وهو لا يدري ما وراء الأكمة؛ فجاء من ذويه من أطلعه على معنى هذا الاستدعاء إلى سامرا، فلما علم بدخيلة الأمر جهز أحمد الواسطي كاتب سره وصديقه، وأرسله مكانه إلى سامرا بالهدايا الفاخرة إلى الوزير؛ فاستجلب خاطره، فسعى أمام الخليفة، فألغى الأمر السابق، وأصدر أمرا آخر يزيد مدة ولاية ابن طولون في مصر، ويصرح له بنقل عائلته جميعها إليها، وقد كانت إلى ذلك اليوم في سامرا. فسر ابن طولون بهذا الفوز، وفرق في الناس الزكاة.
وفي سنة 257ه حكم على باكباك أمير مصر الأصيل الذي كان قد عين ابن طولون قائدا للقوة العسكرية بقطع الرأس لجناية ارتكبها، وعين مكانه برقوق حمو أحمد بن طولون، وهذا حالما استلم الأمر بالإمارة عهد إلى صهره بالنيابة العامة ليس فقط على الفسطاط، بل على سائر القطر المصري، فأمر عيسى بن دينار متولي الإسكندرية أن يسلم زمامها إليه؛ فتوجه ابن طولون إلى الإسكندرية، وتسلم إدارتها، ثم سلمها لعيسى المذكور، وأقره عليها، فأصبحت سياسة مصر جميعها بيد أحمد بن طولون، وفي السنة التالية توفي برقوق؛ فولي أحمد مكانه واليا عاما على القطر المصري.
الفصل السادس
الدولة الطولونية
من سنة 257-292ه/870-905م (1) حكم أحمد بن طولون (من سنة 257-271ه/870-884م)
अज्ञात पृष्ठ