तारीख मसुनिय्या
الحقائق الأصلية في تاريخ الماسونية العملية
शैलियों
وبقيت مدارس البنائين في رومية عاملة ناجحة حتى سقطت الإمبراطورية وخلف الأباطرة غيرهم من الحكام الذين كان دأبهم التخنث وحب الذات، فلم يكونوا كأولئك يبذلون النفس والنفيس لإعلاء شأن البلاد وإسعاد العباد، فذبلت نضارة الماسونية وعادت ضعيفة بعد قوتها ولبثت تسير القهقرى، حتى دان حكام رومية بالديانة المسيحية، فصارت الماسونية تتقدم رويدا رويدا وتسترجع نضارتها، وعادت إليها عظمتها الأولى.
الفصل الثاني
بعض الأقوال في أصل الماسونية وتعاليمها وغايتها ومستقبلها
لم يتفق المؤرخون على أصل الماسونية وكيفية نشأتها، فقد تضاربت الآراء واختلفت الأقاويل فيها، فمن ناسب أصلها إلى أقدم الأزمان، ومن قائل: إنها لا تتجاوز الجيل السابع عشر، وبالإجمال فإن دون معرفة الحقيقة أستارا مسدولة تمنع النور عن خرق الحجاب وتحقق شيء من ذلك؛ لأنه من أي مكان جئناها ومن أية وجهة طلبناها لنقف عند الحقيقة ونكون من أمرها على بينة صدق نرى أمامنا عقبات جمة تعرقل سعينا وترجعنا حيارى في أمر نشأتها ومعرفة أول مؤسس لها؛ وذلك لتوالي الأيام وكرور السنين والأعوام.
ولكنه لكثرة ما نقب العلماء والمؤرخون الماسونيون وجدوا سعيا في استقصاء الحقيقة بلغوا غاية طالما صبوا إليها وأدركوا أمنية كثيرا ما تاقوا إلى معرفة كنهها، فقد كشفوا القناع عن كثير من الحقائق والغوامض التي كانت تحول دون ذلك وتقف سدا منيعا بأوجهنا لا يخرقه الاستقصاء ولا يدفعه التنقيب.
وحدث عن هذه الجهالة في معرفة الحقيقة الراهنة أن اختلفت المذاهب في الماسونية، فمن مؤمن مسلم بحقيقة أمرها وشرف مبادئها عالم متيقن أنها أسست لتكون للعالم كنز الراحة ومجلبة السعادة والهناء، ومن مرجف مكابر يهرف بما لا يعرف، أبى إلا الكذب والنميمة مطية يعلوها، فسار وصوافن البغي والعناد تقله وتلقيه في مهامه الجهالة عامها لا يدري في أي واد يهيم فنسب إلى الجمعية الماسونية كل بذيئة واتهمها بما هي براء منه، وعاث في الأرض فسادا، وأبى الله أن يفلح المفسدون.
وقام بعد ذلك المؤرخون المدققون وشمروا عن ساعد الاجتهاد بهمة شماء ووقفوا أنفسهم وأوقاتهم لإدراك هذه الغاية العظيمة، وفضلوا الموت على الحياة، أو يعيشوا أشرافا مستنيرين. وبعد أن طال بحثهم واستقراؤهم في استطلاع طلع الحقيقة نسبوا الجمعية الماسونية إلى أصل قديم جدا، وقالوا: إنها اقتبست قواعدها من مدارس الأقدمين الفلسفية، وقالوا: إن الهنود والمصريين أول من نادوا بهذه الجمعية العظيمة؛ وذلك لما رأوه من موافقة الرموز والإشارات الماسونية الحديثة لتلك، وذهب بعضهم مذاهب أخرى يطول شرحها.
وقام المعارضون وقالوا: إنها شيدت يوم بنى «سليمان» هيكله المشهور، واحتجوا بما في الشرائع الماسونية من الكلمات العبرانية، وقالوا: إن «سليمان» شيدها يوم أسس هيكله سنة 1012 قبل المسيح، فكرسه بعد تسع سنوات من بنائه لعبادة إله قادر أبدع السموات والأرض، وأن هذا الهيكل كان أول بناء تأسس لعبادة إله واحد. فلو سلمنا بهذا الاعتقاد، ونسبنا إلى الماسونية هذا التقادم في العهد لرأينا أن الهيكل السليماني إشارة حقيقية إلى الجمعية الماسونية، وأن هذا البناء العظيم راموز الهندسة وعلم البناء فتتشبه به المحافل الماسونية؛ لأن كل أخ يضع فيه حجره وتشاد عليه هذه الجمعية العظيمة الشأن.
ولكن الماسونية حافظت على التقاليد القديمة التي وصلت إليها ولم تزل كذلك، وكل منها يشير إلى حقيقة هذا الهيكل ويشبهه في الرموز، ومن هذه التقاليد والرموز نتج الخطأ الفاحش الذي ارتكبه المؤرخون إذ حسبوا المجاز حقيقة فبنوا أقوالهم عليها.
وتمادى كثيرون في بحثهم واستقصائهم حتى ظنوا أنهم أصابوا محجة الصدق وفصل الخطاب، وأنهم علموا ما لم يعلمه غيرهم من الباحثين المدققين فنسبوا أصل نشأتها إلى الديانة المسيحية، إذ رأوا بادئ ظهورها أسرارا ورموزا كثيرة محجبة بحجب الخفاء كي لا يطلع عليها أحد من غير الذين أصبحوا باستقامتهم أهلا للانتظام فيها. وقال بعضهم: إنها لم تتجاوز القرون المتوسطة، وأن فرسان «ماري يوحنا» هم الذين أسسوها بعد أن أخذوا تقاليدها من الصليبيين، والصليبيون أخذوها من البراهمة والهنود، وأن أول محفل ماسوني تأسس في مالطة. وقال آخرون: إنها لا تتجاوز القرن السابع عشر، وبنوا أقوالهم هذه على حجج دامغة مبرهنين أنها أخذت إشاراتها ورموزها من الأقدمين، ولكنها لم تتجاوز قط هذا العهد، وبينوا أنها كانت قبلا عملية، وأصبحت بعد هذا التاريخ رمزية محضة لا تعلق لها بالأولى.
अज्ञात पृष्ठ