तारिख मसरह
تاريخ المسرح في العالم العربي: القرن التاسع عشر
शैलियों
أما حديثه عن خطاب توفيق له بعد توليه منصب الخديوية، فحديث كاذب أيضا لا أساس له من الصحة؛ لأن يعقوب صنوع أكد أن هذا الخطاب نشره في صحفه، على الرغم من عدم وجود هذا الخطاب في جميع صحف صنوع الصادرة من عام 1878 إلى عام 1909. وهل يعقل أن الخديو توفيق يراسل يعقوب صنوع واصفا أباه إسماعيل بالعدو؟! وهل يعقل أن توفيق طلب من صنوع العودة إلى مصر، ورفض صنوع هذه العودة إلا بعد أن يرى سلوك صديقه الخديو؟! ولماذا يرى سلوك الصديق، رغم صداقته له منذ الشبوبية؛ أي إنه يعلم خصال وصفات الصديق، ولا حاجة لاختبار هذه الصداقة؟!
أما علاقة صنوع بأحمد خيري باشا، فهي علاقة صداقة حميمة تحدث بها صنوع في مذكراته. ونعلم من هذه العلاقة، أن خيري باشا - كبير أمناء الخديو - هو أول من ساعد يعقوب صنوع في إنشاء مسرحه، عندما عرض على الخديو إسماعيل أول مسرحية له. وهو أيضا رسول السلام بين صنوع والخديو إسماعيل بعد غلق جمعيتي صنوع الأدبيتين. وقد نجح خيري باشا في هذه المهمة لما بينه وبين صنوع من صداقة حميمة. وهو أخيرا الذي عرض على صنوع رشوة من قبل الخديو إسماعيل كي يشي بأسماء شركائه من أعداء الخديو. وقد اختاره الخديو لهذه المهمة من قبل صداقته لصنوع.
148
وإذا كنا قد شككنا - فيما سبق - في نشاط صنوع المسرحي في مصر، وكذلك في تكوينه لجمعيتيه الأدبيتين، فما موقفنا أمام خيري باشا الذي جاء اسمه مرتبطا بهذين النشاطين؟! الحقيقة أن علاقة صنوع بخيري باشا، علاقة وهمية اختلقها صنوع، وصرح بها بعد وفاة خيري باشا في عام 1887. ودليلنا على ذلك، أن أحمد خيري باشا الذي ذكره صنوع بأنه كبير أمناء الخديو، عندما ساعده في بداية نشاطه المسرحي، في عام 1870، والذي أعاد علاقة الخديو به مرة أخرى بعد إغلاق جمعيتيه الأدبيتين في عام 1874، وهو متقلد وظيفة كبير أمناء الخديو؛ لم يكن في هذين التاريخين كبيرا لأمناء الخديو، ولم يكن في القاهرة أصلا. فقد حصلنا على الملف الوظيفي لأحمد خيري باشا، ووجدناه تقلد عدة وظائف حكومية بداية من عام 1853، وهي: موظف بديوان كتخداي، ومترجم بقلم تركي، وأيكنجي قلم تركي، وكاتب تركي تفتيش قبلي، وموظف بمجلس الأحكام ، ورئيس قلم تركي، وناظر المعارف العمومية في عام 1882. أما وظيفة «رئيس الديوان الخديوي» فتقلدها من عام 1884، وحتى وفاته في 15 / 6 / 1887.
149
ومن المؤكد أن علاقة خيري باشا بصنوع - تبعا لأقواله - كانت أثناء تقلد الباشا للوظيفة الأخيرة، منذ عام 1884. فكيف ذلك وصنوع في باريس منذ عام 1878؟! وكيف كان خيري باشا كبيرا لأمناء الخديو في عام 1870، و1874، عندما ساعد صنوع في أقواله السابقة، تبعا لصداقته؟! ففي هذين العامين كان خيري باشا كاتبا تركيا بتفتيش منطقة وجه قبلي، أي غير موجود في القاهرة! مع ملاحظة أن وظيفته ككاتب - في ذلك الوقت - لا ترقى به إلى التعامل مع الخديو بالصورة التي وصفها لنا صنوع!
والحقيقة أن يعقوب صنوع لم يذكر اسم خيري باشا ووظيفته صراحة في مذكراته إلا بعد وفاة خيري باشا؛ كي يضمن عدم الرد عليه، كعادته دائما في حديثه عن علاقاته بالحكام وبكبار القوم. وهكذا استطاع صنوع أن يوهم الجميع بهذه العلاقات الكبيرة مع الشخصيات المرموقة؛ كي يعطي لنفسه مكانة كبيرة يستطيع من خلالها أن يجد له دورا بارزا في مجاله الصحفي بباريس، ويوطد علاقاته بكبار الشخصيات الأجنبية والسياسية في أوروبا، خصوصا الأمير حليم.
وبالفعل استطاع يعقوب صنوع أن يخدع العالم العربي عموما، والمصري خصوصا بأنه رائد للمسرح المصري، وصاحب شخصية سياسية مرموقة، تربطها علاقات قوية بحكام مصر ورجال دولتها. وأحكم هذا الخداع بمذكرات وأقوال صحفية تلقفتها الأقلام العربية، وساعدته بقصد وبغير قصد في تثبيت هذه الأوهام والمزاعم في عقولنا حتى الآن ... هذه هي الحقيقة الغائبة عن هذا الرائد المسرحي المزعوم.
ولعلني بهذه الدراسة أكون قد نجحت في كشف النقاب عن المكانة الحقيقية لهذا الرائد، وأثبت أنه المصدر الوحيد لكل ما قيل عنه من قبل النقاد، أو على أقل تقدير أكون قد استطعت تفنيد بعض مزاعمه. ولا أبغي من هذه الدراسة سوى أن تكون نواة أو بداية لإعادة دراسة هذه الشخصية بمنظور آخر، غير منظورها الثابت في أذهاننا، والمتوارث من قبل النقاد والكتاب حتى الآن.
ريادة مسرحية مجهولة لمحمد عثمان جلال
अज्ञात पृष्ठ