तारिख मसरह
تاريخ المسرح في العالم العربي: القرن التاسع عشر
शैलियों
9
وأهمهم على الإطلاق إدوارد وليم لين، الذي رصد لنا أول مسرحية، بصورة تفصيلية لفرقة المحبظاتية. وأهمية هذه الإشارة ترجع إلى أنها أول نص لمضمون مسرحية منشور من قبل لين في كتابه «عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم» فيما بين عامي (1835-1838).
يقول إدوارد وليم لين: «يسر المصريون كثيرا بالعروض التي يقدمها المحبظون؛ وهم مهرجو المهازل المبتذلة. ويؤدي هؤلاء مهازلهم عامة خلال الاحتفالات التي تشبه الأعراس وحفلات الختان في منازل كبار القوم ... ويقتصر الممثلون على الصبية والرجال، أما المرأة فيقوم بدورها رجل أو صبي متنكرا في زيها. وسأعرض للقارئ نموذجا عن أحد عروضهم التي قدموها أمام الباشا منذ فترة وجيزة خلال احتفال أقامه بمناسبة ختن أحد أولاده ... واقتصرت شخصيات المسرحية على الناظر وشيخ البلد وخادمه وكاتب قبطي وفلاح مدين للحكومة وزوجته وخمسة أشخاص آخرين، مثل اثنان منهما دور طبالين وثالث عازف مزمار وظهر الاثنان الباقيان في دور راقصين.
دخل الناظر وعازف المزمار حلبة التمثيل بعد أن مهد لدخولهما هؤلاء الخمسة بتطبيلهم وتزميرهم ورقصهم. وسأل الناظر: «كم يبلغ دين عوض بن رجب؟» فأجابه الخمسة الذين يمثلون دور الفلاحين البسطاء: «اطلب من النصراني أن ينظر في سجله.» وكان الكاتب النصراني متمنطقا «دواية» كبيرة ومرتديا ثياب قبطي ومعتمرا عمامة سوداء، فسأله شيخ البلد: «كم هو المبلغ المكتوب ضد عوض بن رجب؟» فأجابه الكاتب: «ألف قرش.» فعاد الشيخ يسأله: «وكم دفع حتى الآن؟» فرد عليه الكاتب: «خمسة قروش.» فالتفت الشيخ إلى الفلاح قائلا: «لم لا تحضر المال يا رجل؟» فيجيبه الفلاح: «لا أملك قرشا منه.» فتعجب الشيخ: «لا تملك قرشا واحدا! اطرحوه أرضا.» فطرحوه وأحضروا قطعة أحشاء منتفخة تشبه كرباجا كبيرا وانهالوا يضربون الفلاح ضربا مبرحا. فراح يصيح بالناظر بصوت متهدج: «وشرف ذيل الحصان يا بيه! وشرف سروال زوجتك يا بيه! وشرف عصبة زوجتك يا بيه!» ولكن استنجاده ذهب أدراج الرياح، فضرب طوال عشرين دقيقة ثم زج به في السجن.
ثم ننتقل إلى مشهد الفلاح وزوجته التي أتت لزيارته تسأله: «كيف حالك؟» فيجيبها المسكين: «اعملي معروفا وخذي كشكا وبيضا وشعيرية إلى منزل الكاتب النصراني واستدري عطفه عله يطلق سراحي.» فأخذت الزوجة الأغراض في ثلاث سلات إلى منزل الكاتب، وسألت بعضهم: «أين هو المعلم حنا؟» فأتاها الجواب: «يجلس هناك.» فتوجهت إليه، وقالت له: «يا معلم حنا! أرجو أن تقبل مني هذه الهدية وتفك أسر زوجي.» - ومن هو زوجك؟ - الفلاح المدين بألف قرش. - أحضري عشرين أو ثلاثين قرشا، وادفعيها رشوة إلى شيخ البلد. فانصرفت المسكينة وعادت إلى شيخ البلد ومعها المال المطلوب. فسألها الشيخ: ما هذا؟ - خذها رشوة وفك قيد زوجي. - حسنا، اذهبي إلى الناظر.
فخرجت ورسمت جفونها بشيء من الكحل وحنت يديها بالحناء الحمراء، وانطلقت إلى الناظر. وألقت عليه التحية قائلة: عمت مساء يا سيدي. - ماذا تريدين؟ - أنا زوجة عوض المدين بألف قرش. - وماذا تريدين؟ - زوجي في السجن وأتوسل إليك لتطلق سراحه.
وراحت توزع ابتساماتها بينما كانت تتحدث إلى الناظر حتى تظهر له أنها لا تسأله هذه الخدمة دون أن تمنحه مقابلها مكافأة. وحصل الناظر بالفعل على مكافأته وحصلت هي على حرية زوجها. وقد مثل هؤلاء الخمسة هذه المسرحية أمام الباشا حتى يتنبه لمسلك المسئولين عن جمع الضرائب.»
10 (3) الوثائق
ومن الوثائق المهمة التي بين أيدينا، وثيقتان في عهد سعيد باشا، تتحدثان عن بدايات الفن المسرحي في مصر والعالم العربي. الأولى في 28 / 1 / 1858، وهي تتحدث عن وليمة ستقام في القلعة بأمر سعيد باشا، وكانت المعية السنية قد طلبت من «كنيك بك» أن يحضر فرقة تشخيصية للقيام ببعض التمثيل البهلواني لضيوف هذه الوليمة. والوثيقة الثانية كانت في 2 / 2 / 1858، وفيها نجد أمرا من المعية السنية إلى كنيك بك بمنع حضور المشخصين؛ لأن الحفلة اقترب موعدها، هذا بالإضافة إلى أنها ليست من الفخامة بمكان.
11
अज्ञात पृष्ठ