Caramoussel ) على بعد قليل من معادن الفضة التي كان يستخرجها البتينيون في الجبال، بل قد جاء في الروايات ما يدعو إلى الظن بأن شهرة معادن القفقاسية قد زادت في طمعهم فطمحوا إليها، واقتحموا من أجلها أصقاع البحر الأسود وهي قاحلة ماحلة. وكانوا يرجعون بعد تجوالهم في هذه البحار بأصناف التن
Thon
والسردين والأرجوان والعنبر والذهب والفضة والرصاص والقصدير لاصطناع البرونز، وكانوا يتحصلون عليه أيضا من البر عن طريق أرمينية والشام. (3) الفينيقيون في بلاد اليونان وتأثير هذه البلاد على فينيقية
من يرمي بنظره إلى الجنوب وهو برودس يرى شماريخ جبال أقريطش (كريد) على بعد، وهذه الجزيرة واقعة في مدخل بحر إيجي وكأنها قارة قائمة بذاتها تكفي نفسها بنفسها، فإن فيها وديانا خصبة وجبالا تكسوها الغابات، وقد اتخذ الفينيقيون مصائد للأرجوان في إيتانوس، وصاروا أصحاب الكلمة النافذة في الساحل وأقصوا الأهالي إلى ثنيات جبال إيدا (بسيلوريتي) ومنعرجاتها، ثم انتقلوا إلى كثيرا (جزيرة سيريجو) وأحدثوا بها معبدا لعشتاروت.
ولما كانت بلاد اليونان التي في القارة تحصرها من الجنوب جزيرة كثيرا، ومن الشرق جزاير سقلادس؛ فلم تنج منهم، بل طرقوا أبوابها وجاسوا خلالها فظهروا في برزخ قورنثة ثم في إيجين (إيجينا-إيجيا) فسلامين (كولوري) فالأرجوليد فالأتيكة. وجاء في إحدى الروايات المعتبرة عند السلف أن الذي أسس مدينة ثيبة في بيوسيا هو قدموس الفينيقي واضع حروف الهجاء اليونانية، فانتشر بسبب ذلك تمدن الشرق ومقالات أهلية في الديانات عند قبائل اليونان التي لم تكن تجاوزت الهمجية تماما، ثم تلاشت عبادة عشتاروت إلهة الفينيقيين واستبدلت بعبادة الزهرة (أفروديت بلسان اليونان) إلهة قورنثة وإلهة سيريجو، ثم اتخذ صناع الأرجوليد الأولين الأشياء الدقيقة المصطنعة في مصر نموذجا يحاكونه في أعمالهم.
على أن اليونان لم يجعلوا للفينيقيين سبيلا للامتزاج بهم، وانتزاف ثروتهم مدة طويلة من الزمان، فإنهم تعلموا بسرعة كيفية إنشاء السفن القادرة على مقاومة مراكب الأغراب (شكل
18-1 )، ودهموا مكاتب شركات الصوريين ووكالاتهم التجارية، واسترجعوا جزائر سقلادس. ثم إن أهالي كريد عظمت شوكتهم، وازدادت قوتهم بمن وفد إليهم من مهاجري القارة، فتمكنوا من طرد الكنعانيين من جزيرتهم، ولما صارت كريد لأهلها حدثت منها مملكة مؤلفة من مائة مدينة، وعاصمتها كنوسس (أكنوس)، وأول ملوكها رجل أكثر أهل الروايات الخرافية من ذكره حتى كاد يكون عريقا فيها، وهو الملك مينوس، وأن ظهور المملكة الكريدية في نحو القرن الثالث عشر قبل الميلاد كان فيه انتهاء شوكة الفينيقيين، وتسلطهم على بحار اليونان.
شكل 18-1:
سفينة يونانية منقول شكلها عن قطعة آجر منقوشة في قبرس في القرن الخامس.
ومن هذا الوقت لم يتيسر للصيدونيين والصوريين البقاء في بعض الجزائر المنعزلة مثل: ثاسوس (طاشيوز)، وميلوس (ميلو)، وثيرا (سنتورين)، ورودس وكثيرا (سيريجو) إلا بشق الأنفس، بل إن اليونانيين ما لبثوا أن بادؤهم بالشر، وناصبوهم العداوة، وذهبوا يطلبون الثروة في البقاع التي بها الفينيقيون بلا مناظر ولا مزاحم، ولما طرد منفتاح ورمسيس الثالث الأكائيين من ديار مصر نزلوا بقبرس، وقاموا بجهاد استمر قرونا طويلة، ثم انتهى بخراب المستعمرات الفينيقية القديمة.
अज्ञात पृष्ठ