في الديانة المصرية (1) الآلهة الأصليون في مصر
كانت الأمة المصرية تعتبر في الأحقاب الخالية أشد الأمم تمسكا بدينها، وهذا هو الواقع، فإن من نظر إلى آثارها يكاد يتوهم أن أرض مصر إنما كانت تسكنها الآلهة على الخصوص، وما كان فيها من بني الإنسان سوى من يقوم بحاجات العبادات؛ إذ كان لكل إمارة في أول الأمر إله أكبر خاص بها لا يتعدى سلطانه حدودها، وكان الحال كذلك حينما انقسم القطر إلى كور كبيرة؛ بحيث إن مصر كانت للآلهة ولايات التزامية أخاذية، كما كانت كذلك للأمراء من بني آدم.
وكانت الآلهة في بعض الأحيان عبارة عن النيل مثل الإله أسيريس؛ في قسم مندسيوس، والإله خنوم الخاص بالشلالات، وتارة عبارة عن الأرض السوداء الخصبة مثل الإلهة أيسيس المعبودة في بوتو، ومثل الإله بتاح أو فتاح المعبود في منف، وتارة عبارة عن السماء مثل حارويرس. وكان أخص الآلهة عندهم الشمس مثل رع في هيليوبوليس، أو أنحوري في سبنيطوس، وفي ثنيس. وكان لبعض هذه الآلهة صورة إنسان مثل بتاح، وأزيريس، وآمون، والبعض الآخر على شكل حيوان مثل الكبش، والتيس، والأسد، والثور أبيس أو منيفيس، أو على هيئة ابن آوي مثل أنوبيس، أو الباشق مثل حوروس. واعلم أن الاعتياد على تصوير الآلهة بهاتين الصورتين جر المصريين إلى تمثيلها يهيئات مركبة تختلط فيها أشكال الإنسان بصور الحيوان فصاروا يصورون حوروس على هيئة إنسان له رأس باشق، وأنوبيس على هيئة إنسان له رأس ابن آوي، وهاتور على هيئة امرأة لها رأس بقرة. وللآلهة الأصليين عندهم حشم كثير وحاشية وافرة من الآلهة الثانوية تكون حولها بمثابة أمة تحاكي في العدد أمة الأنام.
وكل هذه الكائنات كان لها جسم أشد لطافة من جسمنا؛ فكان غير مرئي، ولكنه كان شبيها بجسدنا من حيث إمكان الوصول إليه، وإصابته بالجراح بل، وإعدامه الحياة. وكانت الآلهة تأكل وتشرب وتكتسي، وأحسن ما يتزلف به إليها وينال به رضوانها أن يقدم لها الإنسان ما يلزم لحياتها. وكانت عبادتها في الحقيقة عبارة عن جملة أفعال وهيئات؛ متى قام بها الإنسان أوصل إلى الآلهة في دنيانا هذه كل ما تحتاجه لحفظ حياتها، وسد رمقها، فكانوا يقدمون لها القرابين والضحايا من الحيوانات والطيور واللحم والخبز والنبيذ والمشروبات والفطير والفاكهة اللازمة لطعامها، وكانوا يعينون في صلاتهم أثناء تقدمة القربان الإله الذي يقصدون إتحافه بهذه الطيبات، ويذكرون النعم والعناية التي يطلبونها منه نظير القربان. (2) التأليه التساعي على مذهب هليوبوليس وذكر خلق الدنيا
كان الآلهة الأخاذيون يشبهون الأمراء الأخاذيين في مصاهرة بعضهم بعضا، ويراعون مع بعضهم حقوق الجوار، وكانوا يتناولون في أغلب الأحيان اختصاصات بعضهم، فيتحد الواحد بالآخر ويصيران فردا واحدا؛ مثال ذلك آلهة السماء مثل حارويرس، قد حل في رع إله الشمس وتمثل فيه، كما أن آلهة الشمس مثل رع وأنحوري وغيرهما قد امتزجت ببعضها؛ حتى صارت شخصا واحدا عبدته مصر كلها، ولكن فريقا آخر من الآلهة وقعت بينهم الشحناء حتى استحكم النفور والبغضاء؛ مثل أوسيرس وتيفون واجتهد كل واحد في إبادة صاحبه. وقد وجد العالم وبقي موجودا يتمازج الائتلاف والاختلاف بين هؤلاء الآلهة. وقد زعم الكهنة أمناء الدين جملة مزاعم في وظيفة كل منها عند أحداث العالم.
والقول الذي مالت إليه الأهالي، ورجحته على المذاهب الأخرى من قبل مينيس، هو الذي قال به كهنة هيليوبوليس، وفحواه؛ أن العالم أحدثه تسعة من الآلهة بين ذكور وإناث اتحدوا على هذا الصنيع، وكان لكل منها قسط من العمل، فكان الكون في أول الأمر عبارة عن لجة من المياه يحيط بها الظلام، وكانت الشمس مختفية في وسطها، ثم ظهرت الشمس فخرجت الأرض والسماء من الماء مختلطتين ببعضهما، وممتدة إحداهما على الأخرى، وعلى هذا كان رع - أي الشمس - هو الإله الأول، وقد صدرت منه إشارة فتولد عنها زوج من الآلهة، وهما: شو، وتفنويت، فدخل شو فيما بين الأرض والسماء وفتق رتقهما، ثم رفع السماء على ذراعيه وأبقاها معلقة في الفراغ (شكل
6-1 )، وبذلك ظهر زوج ثان من الآلهة وهما: سيبو أي الأرض، ونويت أي السماء.
شكل 6-1:
شو واقفا بين سيبو أي الأرض ونويت أي السماء بحسب رسم على نعش في طيبة.
وكانت الدنيا التي أوجدها هؤلاء الآلهة الخمسة أشبه بصندوقة رباعية الشكل يكتنفها الماء الأول، وأرضيتها هي الأرض وغطاؤها السماء وجدرانها الجبال الشامخة، التي تتكئ عليها السماء كما يتكئ سقف المنزل على جدرانه؛ فتمنع السماء عن السقوط على الأرض. ويجري نهر عظيم على طول هذه الجدران تحت السقف السماوي بقليل، وهذا النهر يجري مترائيا للأبصار في جهة الجنوب، ثم يسيل فيما بين الجبال أو ينساب في مجرى طويل تحت الأرض، ويسبح فيه على الدوام زورق فيه الشمس، ويخرج هذا الزورق في كل صباح من المشرق من مجرى النهر الذي تحت الأرض، ثم ينحدر إلى الجنوب، وترسل الشمس الأنوار إلى مصر، ثم تدخل كل مساء في الجبل من جهة الغرب. والاثنتا عشرة ساعة التي تمضيها الشمس في اختراقه هي ساعات الليل الاثنتا عشرة، ثم تولد من الأرض والسماء إلهان وإلهتان تكون منهما زوجان، فأنما تكوين العالم؛ وأولها هو مركب من أوسيرس وأيسس جاءا بالحضارة والمدنية في الدنيا كما سبق لنا القول به. وثانيهما وهو مركب من تيفون ونفتيس أتيا بالشر والموت. (3) رجحان الشمس على بقية الآلهة
अज्ञात पृष्ठ