وكانت على السلطان - تغمده الله برحمته - وظايف ورواتب يتوخى بها زواياالشايخ على يد من يعتمد عليه في كتمان سره من خواصه في كل حين ، ومتى أصاب سرورا لم يكن قبل أن يحسن إلى أحد من خواصه إلا الإحسان إلى الفقراء ، وهذا من فرط ما لهم في قلبه من المحبة والرغبة وحسن النية وطهارة الطوية .
وأما إجلاله للفقهاء وتعظيمه لهم ولين جانبه ، فغير خاف ما كان يعامل به قاضيالقضاة تاج الدين عبد الوهاب بن خلف قاضي قضاة الديار المصرية من الاحترام والاكرام عند جلوسه معه في دار العدل ، ووقوفه عندما يراه ، ورجوعه إليه ، وكذلك ما كان يعتمده مع القاضي صدر الدين سليمان الحنفي والبر به والصلة له ، وكان يدخله عليه حين خلوته ، ويجلس معه ويقضي حوايجه ويقبل شفاعاته،واستصحب معه إلى مكة ليريه مناسك حجه ، وكذلك كان يخرجه معه في أسفاره ، لما يعن له من مصلحة في دينه ودنياه . ولما كانت القضاة الأربعة تحضر مجلسه في دار العدل ، كان يحتفل بهم ويعظم أقدارهم ، ويعلي بالإصغاء لما يأمرون به منارهم ، وينزلهمالمزلة التي أجلهم الله فيها ، ويتفقد ما يجب عليه من حقوقهم فيوفيها ، ولما فوضالحكم إلى قاضي القضاة تقي الدين أبي عبد الله محمد بن الحسين بن رزين الشافعي الحموي ، كان يكرمه ويقبل عليه ولا يقبل فتيا إلا بخطه ولا يعتمد إلا على قوله . وكان إذا وفد عليه المشايخ والعلماء من البلاد يرفع من أمكنتهم ويبجلهم ، ويعظم أقدارهم ، وكذلك أهل الحجاز والحرم النبوي - صلوات الله على ساكنه - يعظمهم ويتبرك بهم ، وكان إذا جاءه رسول من جهة الشيخ علي البكا يكرمه ، ويحسن إليه ، وإذا قصد زيارة الخليل يزوره ، وكان له عليه رسم يحمل إليه في السنة مرتين أو ثلاثا ، وهذا مما يدل على حسن عقيدته ، وصفاء طويته ، وصحة يقينه ، ودمائة أخلاقه ولينه ، مقتد ما جاء في المنقول عن السيد الرسول ، وهو من حديث عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هل تدرون تحرم عليه الناركل هين لين" .
पृष्ठ 274