ذكر عرس مولانا السلطان الملك السعيد
لما قفل مولانا السلطان من الشام ، [و] دخل القاهرة يوم الإثنين ثالث شهر ربيع الآخر ، أمر بالاهتمام بالعرس لولده السلطان الملك السعيد . فلما كان يوم الخميس خامس جمادى الأولى ، أمر السلطان ، الملك الظاهر ، العسكر المنصور أن يركب الى الميدان الأسود ، الذي تحت القلعة ، في أبهى أثاث وزي ، وأشهى لباس وزي وأوفر عدد وأنمى عدد . وتارة يركبون من الخيول أسبقها ، ويلزمون من الشكول أليقها ، ويجرون من الصعاد أفاعيا ، وينتضون البروق ا/ مواضيا ، ويلبسون على الأجساد جواشن كالغدران جعدها النسيم ، ويتوجون المفارق ببيض تلمع في النقع لمع البرق في اليل البهيم ، وتارة يلبسون من موشى الدمقس ما يربى على قوس قزح من التلوين ، ويفوق ريش الطواويس في حسن التكوين ، فحسنوا في القلب والعين مخبرا ومنظرا ، ورأت منهم الأولياء والأعداء ظباء كناس وأسود شرى ، وكانوا زهاء ألفي مملوك ، ذكر أن قيمة كل خوذة مما لبسه السلطان لمماليكه ، من ثلاثة آلاف درهم إلى ألف درهم ، هذا قيمة الخوذ خارجا عن الجواشن . وأقاموا يركبون كل يوم كذلك ويتراكضون في الميدان خمسة آيام . فلما كان اليوم السادس ، افترق الجيش فرقتين وحملت كل فرقة على الأخرى بحيث أن قتل في تصادم الخيل فارس ، وكسرت رجل آخر ، وتهشم كثير من الناس . ثم لما كان يوم الثلاثاء وهو السابع خلع على ساير الامراء والوزاء والقضاة والكتاب والأطباء وخواص الحاشية ، والأمثل فالأمثل ، مقدار الف وثلثمائة خلعة ، وبعث الى دمشق الخلع ، ففرقت فيمن فرق عليه بالقاهرة ، ولم يرجع أحد من الجند إلى بيته منذ خرج إلى الميدان ، حتى انقضت السبعة أيام . وفي يوم الخميس مد الخوان في الميدان المذكور ، في أربع دهاليز السلطان ، وجمع هذاالصنيع جميع ما في القلعة والمصرين من قدور الطبيخ ، وأكل من هذا الطعام من علا ومن دنا ، ونيل بالتمكن منه غاية المنى ، وحضر السماط من كان في خدمة السلطان ، من رسل الملوك ، وهم رسل منكوتمر ورسل الفرنج ، وخلع عليهم فيمن خلع عليه . وجلس مولانا السلطان يومئذ في صدر الخيمة على تخت أبنوس وعاج مصفح بالذهب سمر بالفضة ، أنفق على عمله ألف دينار . ولما انقضى وأكل الناس على طبقاتهم ، قدم الأمراء للسلطان الهدايا والتحف ، ما يليق بمثله من الخيل والسلاح والمتاع وساير الملابس ، فلم يقبل لأحد منهم ما له قيمة ، سوى ثوب واحد جبرا له . فلما كان العصر ركب إلى القلعة ، وأخذ في تجهيز ما يليق بالزفاف والدخول ، ولم يمكن أحدا من نساءالأمراء من الدخول إلى البيوت ، ولا أحدا من حاشية حموه ، ولا من حاشية الأمير بدر الدين الخزندار ، بل دخل مع الملك السعيد الحمام ، ثم دخل به إلى بيته الذي هيء لدخوله فيه بأهله ، وكانت قد حملت [الجارية] إليه فدخل عليها ، وكان هو الماشطة له .
पृष्ठ 166