आर्थिक सिद्धांतों और यूरोपीय प्रणालियों के इतिहास पर व्याख्यान
محاضرات في تاريخ المبادئ الاقتصادية والنظامات الأوروبية
शैलियों
إن آدم سميث يقول إن النظامات الاقتصادية الحالية لم تخرج عن عقل مدبر سائد ذي نظر شامل جميع الأشياء، أو عن فكرة هيئة اجتماعية أرادت تنفيذها بعد طول التفكير والإمعان، إنما النظامات الاقتصادية الحاضرة قد وجدت من تكوين عدة أعمال مختلفة وخطط متباينة قام بها الأفراد مطيعين غرائزهم التي تريد بهم الوصول إلى غرض معلوم، هذا هو منشأ النظامات الاقتصادية في نظر آدم سميث، وها هو يضرب لنا الأمثال ليثبت لنا صحة قوله. يقول: خذ لذلك مثل تقسيم الأعمال فإنه نتيجة غريزة مشتركة بين سائر البشر دفعتهم إليها رغبتهم في تبادل المصالح، ثم إن تبادل المصالح والتجارة هي أيضا نتيجة غريزة مشتركة في البشر، دفعت إليها غريزة النفع الذاتي.
ويضرب لنا مثلا آخر بالمال - أي النقود - فيقول: إن الإنسان منذ القدم رأى صعوبة التبادل النوعي؛ لذا نشأت في ذهن الرجال فكرة تكوين مادة لا ترفض في أوقات ما، وتكون على الدوام قابلة للتبادل، وإن الهيئة الحاكمة لم تتداخل في أمر النقود وتضربها باسم الحاكم أو الجمهورية إلا بعد زمن طويل؛ أي بعد أن انتشرت النقود المعدنية في سائر أنحاء العالم.
ومن الغريب كذلك أن يقول آدم سميث بأن المال هو سيد الصناعة؛ أي إنه بدونه لا يتم شيء، مع أنه هو الذي قال في بداية كتابه بشرف العمل على كل شيء سواه، وأنه هو مصدر الثروة المهم. على أنه يظهر لنا أنه لم يقل بذلك إلا ليثبت أن تكوين رءوس الأموال بصفة كونه نظاما اقتصاديا ليس إلا مظهرا من مظاهر الطبيعة؛ لأن الأموال الكثيرة لا تتكون إلا عند أفراد رأوا مصالحهم في الاقتصاد ولو قليلا.
ولكن فكرة صدور النظامات الاقتصادية عن الطبيعة لا تظهر بجلاء ووضوح إلا عندما يتكلم آدم سميث عن الأخذ والعطاء، أو الطلب والتوريد
Offre et demande ، فقد ردوا عليه بأن كل صانع أو زارع يزرع ويصنع وهو لا يدري مقدار ما يطلب منه في السوق، إلا أن سميث يقول: إن قيمة المتاجر تقدر بمقدار العمل الذي احتاج إليه العمل، أو المشقة التي تكبدها العامل.
فالعمل هو مقياس القيمة المتبادلة، هذا هو كما ترون منشأ الفكرة التي اعتمد عليها كارل ماركس في القرن التاسع عشر، عندما قال بأن عمل الإنسان هو المقياس الوحيد لكل شيء، وأخذ سلاحا قاتلا ضد مبادئ أنصار المال، ولكن كيف يمكن قياس العمل الذي ينفق على محصول من المحصولات؛ فإنه قد يتألم صانع دقي في ساعة أكثر مما يتألم صانع آخر له حرفة سهلة في ساعتين؛ ولذلك آدم سميث نفسه يعترف بأنه هذا مستحيل لأنه لا يمكن قياس الصعوبة ولا قياس المهارة، ولذا يقول بأن الهيئات البشرية الأولية هي وحدها التي كان العمل فيها بمفرده مقياسا لقيمة الأشياء، وهنا بدأ سميث يكون نظرية جديدة خلاصتها أن قيمة إخراج الشيء هو المقياس الصادق لقيمة تبادله، وهو يسمى الثمن الذي تكلفه الأشياء ثمنا طبيعيا لها، وبذا ترون أن سميث قد أوجد أداتين لتقدير أثمان الأشياء، الأولى: العمل الذي يستدعيه الشيء، والثانية: الثمن الطبيعي الذي يتكلفه الشيء. وقد اتخذ علماء الاشتراكية رأيه الأول وبنوا عليه مبادئهم، واتخذ كبار الاقتصاديين رأيه الثاني إلى عهد جيفونز الاقتصادي. أما آدم سميث فإنه لم يأخذ أحد الرأيين ويقل به قولا قطعيا بل بقي مترددا بينهما، ولكن يظهر أنه مال أخيرا إلى الرأي الثاني، ووضع للأشياء ثمنين: الأول قيمة تخريجها الطبيعية، ثم وضع ثمنا آخر سماه ثمن السوق؛ أي الثمن الذي يباع به الشيء، وقد يكون هذا الثمن إما أكثر وإما أقل من الثمن الطبيعي، وإما مساويا له. والأمر في ذلك راجع إلى الكمية التي يمكن وجودها من الشيء المعروض، فإن قلت ارتفعت قيمته وإن كثرت انحطت قيمته، وهذه هي نظرية الثمن، وبها يمكننا أن نقول: إن سميث أثبت كون النظامات الاقتصادية طبيعية المصدر؛ لأن سميث يقول إن كل كمية من المتاجر يؤتى بها إلى السوق تسير بطبيعتها نحو ثمن معلوم مقيد بالكمية وبالمطلوب. وهذه النتيجة المدهشة يقول عنها آدم سميث إنها نتيجة المصلحة الذاتية، وهذا القانون يجد تطبيقه في معظم الأحوال لا فيها كلها، وهذه النظرية تسمى نظرية التوفيق بين المطلوب وبين الكمية، وهي أساس نظرية التخريج
التي يعول عليها سائر علماء الاقتصاد في الوقت الحاضر.
وقد طبق آدم سميث نظريته هذه في مسألتين مهمتين: الأولى مسألة النسل، والثانية مسألة النقود. فقد قال عن السكان إن الناس ككل المتاجر يمكن تقليل طلبها أو تكثيره، فإن كثر طلب الناس كثر الناس وإن قل قل.
أما عن النقود فإن آدم سميث يقول: بأنها ليست إلا تجارة ككل المتاجر، بل إنها أقل قدرا من غيرها. إن ثروة البلاد الحقيقية لا تقدر بالمال إنما تقدر بما فيها من الأرض والعمارات والأشياء التي يمكن الانتفاع بها. أو بعبارة أخرى ثروة البلاد هي المحصول السنوي من أرضها وعملها، أما النقود فهي لا ينتفع بها كما ينتفع بالقمح، إنما هي أداة لتداول الثروة ليس إلا؛ لذا يقول آدم سميث بأهمية الأوراق المالية البنك نوت لأنها بوجودها وباستغناء الناس بقطع من الورق عن مقادير وافرة من الذهب والفضة، أمكن للأمة الانتفاع بما عندها من الذهب والفضة بإرساله خارج البلاد لزيادة الثروة الحقيقية. وخلاصة القول في هذا الباب أن السياسة التي تعمل على تكويم المال في بلد من البلاد هي مخالفة لفكرة ثراة الأمة؛ لأن المقدار الكثير من المال لا يزيد ثروة الأمة إنما هو على العكس يضايقها. وما يصدق على النقود المعدنية يصدق على الأوراق المالية؛ لذا كانت تلك الأوراق المالية تابعة لقانون ثابت، يقضي عليها بأن لا تزيد عن المطلوب وإلا هبطت قيمتها.
ما هي إذن هذه القوة الخفية التي تحرك الناس نحو هذه الأعمال الكبرى ونحو حياة التقدم؟ الجواب على ذلك هو المصلحة الذاتية، ورغبة الإنسان في تحسين حاله، وغريزة الفرد التي لا تفتأ تحثه على التقدم.
अज्ञात पृष्ठ