जुनून का इतिहास
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
शैलियों
منذ عام 1799، شرح بينيل ما المقصود ب «العلاج المعنوي للمرضى عقليا»،
10
وأعاد في بحثه نصا ما سبق أن ذكره. إن تعبير «العلاج المعنوي» سبق طرحه بكل ما يتفرع عنه من بنود (وسائل معالجة معنوية، وأدوية معنوية)، ولكن الأمر في الواقع كان أشبه قليلا بفندق إسباني صغير لا يجد المرء فيه إلا ما أحضره معه. فما الذي أحضره بينيل من جانبه؟ «أظن أنني ضاعفت الأمثلة بما يكفي لأثبت أن العلاج المعنوي للهوس هو أحد الأجزاء المهمة للغاية، والأقل تقدما حتى الآن في مجال طب الملاحظة.» يتعلق هذا العلاج المعنوي بالبيئة، وبالمريض نفسه: ويعتمد على تقنية التعامل برفق وبعطف مع المريض لتشجيعه على البوح بأسراره والكشف عما في قلبه. إن المرضى عقليا «المعروفين منذ وصولهم بسرعة انفعالهم وشدة خطورتهم [...] ربما يكتسبون فجأة طبيعة مغايرة؛ لأننا نتحدث معهم بهدوء، ونتعاطف مع آلامهم ونمنحهم الأمل المعزي في أن يكون لهم مصير أكثر سعادة.» «من هذا المنطلق، قد يبدو العلاج النفسي الناشئ مرتكزا على النفاق والزيف إذا لم يتضمن المبدأ الذي يقوم عليه الطب النفسي، والمتمثل في إعطاء المريض الفرصة، عن طريق الإصغاء إليه والتعاطف معه؛ لاستعادة كرامته كإنسان معترف به من جديد وتقديره لذاته [...] أما عن «الأمل في مصير أكثر سعادة»، فيعد المحرك لهذه العلاقة العلاجية ولكنه شرك لها في الوقت نفسه. في الواقع، هذا الأمل هو ما يمنح الإنسان الإيمان بالشفاء، ويتيح هذا التحول الذي يتبنى المريض من خلاله نظام معتقدات المعالج [...] ولكنه يمثل أيضا فخا يمكن أن ينزلق فيه هذا الأخير في لعبة من الإغراءات النرجسية التي قد تؤدي به إلى الانزواء» (جاك بوستيل).
ولكن هنا أيضا، ربما نبالغ في الحديث عن دور بينيل في مجال «العلاج النفسي». فهو، بداية، ليس الأول ولا الوحيد، الذي اعترف بتأثير الروح والنفسية في علاج الأمراض، ولا سيما الجنون بأشكاله المختلفة. بالإضافة إلى أنه لم يأت بجديد فيما يتعلق بضرورة التعامل بهدوء، ورفق، وتفاهم، والاهتمام بما نطلق عليه اليوم «الإصغاء». وبما أن بينيل - ذلك العالم النظري - هو من أعاد فرضا إلى المختل عقليا وضعه وكرامته كشخص، فقد أصبح الحوار مع هذا الأخير، وليس «الاستماع إليه» فحسب، ممكنا. وأصبح عقل الطبيب قادرا على الدخول في علاقة مع عقل المريض عقليا، المختل والمتناقض (بالمعنى الهيجلي)، و«الحاضر بشكل ما». للقيام بذلك، تمرن بينيل - كما يروي في الطبعة الأولى من «بحثه» - على إخضاع المريض لعلاج نفسي خالص، بالبحث عن السبب السيكولوجي (الإعلال النفسي) للهذيان بعد «رؤية الأمور من منظور المريض عقليا». وهكذا كان العلاج المعنوي في ذلك الوقت في أوج ازدهاره؛ لأن الأمر لم يكن يتعلق فقط بنصح المريض وإقناعه منطقيا، وإنما أيضا بالتفكير بعقلانية معه، من داخل هذيانه.
نذكر على سبيل المثال حالة ذلك الخياط المصاب بالسوداوية، الذي استحوذ عليه منذ الثورة هاجس الخوف من أن يعدم بالمقصلة. كان هذا الخياط قد قاوم كل أساليب العلاج وأصابته حالة من الوهن والإعياء الشديد. وكان يقضي وقته راقدا على أرضية زنزانته، منتظرا باستمرار جلاديه. وهنا فكر بينيل، على حد تعبيره، في «حيلة» تمثلت في عرض مسرحية كوميدية على هذا المريض بالسوداوية، أجريت خلالها محاكمة ثورية زائفة؛ حيث عملت هيئة المحكمة على استجوابه مطولا لتبرئته على نحو أفضل، مع إلزامه بالمكوث لمدة ستة أشهر أخرى في بيستر «ليمارس بها مهنته من أجل خدمة المرضى عقليا». ترك هذا العرض أثرا عميقا في نفس المريض ولكنه لم يشفه، لا على الفور، ولا فيما بعد (خاصة بعد أن قيل له إن الأمر كله كان مزحة). حتى لو أخذنا في الاعتبار الكشف غير الحكيم للحيلة، لبدا منذ تلك التجربة الأولى أن الخدعة، التي ذكرها من قبل بعض السابقين (نتذكر أمبرواز باريه والخدعة المماثلة التي لجأ إليها باستخدام الضفادع)، لا تؤدي إلا إلى طريق مسدود، ذلك أن تبني منطق الهذيان وإقراره في الوقت نفسه لا يؤديان إلا إلى ترسيخ الجنون لدى المريض. وقد اعترف بينيل بهذه الحقيقة في ختام الطبعة الأولى من «بحثه» قائلا: «لقد نظرت منذ ذلك الحين إلى حالته باعتبارها غير قابلة للشفاء.» ولكنه في الطبعة الثانية، أخفى فشله حرفيا، بل وحوله إلى شبه نجاح (استعاد المريض عقليا، بعد «صحوة إدراكية»، عمله وقد وجد فيه «متعة جديدة»). في هذا الإغفال المتعمد، الذي يلاحظه ويعلق عليه جاك بوستيل، هناك «اعتراف لا واع بحدود العلاج المعنوي : حيث أصبحت العناصر المتمثلة في الانشغال النشط، والعمل الإجباري، ونظم المعيشة و«اللائحة الداخلية المنظمة» لمؤسسة الرعاية؛ تشكل جوهر هذه «الوسائل المعنوية» التي نادى بها طبيب مشفى سالبيتريير. ولم يعد هناك وجود لعلاج يخاطب «ما تبقى من عقل» المريض المصاب بالجنون.»
11
لم يتبق من علاج بينيل المعنوي إلا السلطة؛ وهي النقطة التي يركز عليها بينيل، في كتاباته، أكثر من تركيزه على الحوار مع المختل عقليا و«البقية الباقية من عقله»، فيشدد على سلطة الطبيب الذي سرعان ما سيطلق عليه، على نحو ذي مغزى، طبيب الأمراض العقلية. يجب أن يقوم هذا الأخير، فيما يخص المهووسين، ب «كسر إرادتهم في الوقت المناسب وترويضهم [...] عن طريق وسيلة تبث الرعب في قلوبهم لإقناعهم بأنهم لا يملكون حرية اتباع رغبتهم الجامحة؛ ومن ثم، لا سبيل أمامهم إلا الخضوع.»
12
كتب بينيل هذا الكلام في عام 1794، بينما كان لا يزال في بيستر ولكنه، فيما بعد، لم يقل ما يخالف ذلك: «يرتكز هذا العلاج، إذا جاز التعبير، على فن إخضاع وترويض المريض عقليا، وذلك بجعله تابعا بشكل أساسي لرجل مؤهل، بصفاته الجسدية والأخلاقية، وبتطبيقه المتواصل لمبادئ النزعة الإنسانية الخيرية في أنقى صورها، للسيطرة عليه بشكل لا يقاوم ولتغيير سلسلة الأفكار التي تستحوذ عليه.»
ها هو مريض عقليا «منهار»، بسبب الإطاحة بالمذهب الكاثوليكي في فرنسا إبان الثورة، وخائر القوى منذ ثلاثة أشهر. إنه يرفض تناول أي طعام حتى ولو كان القليل من ذلك «المرق اللذيذ» الذي يقدمونه إليه؛ مما حدا بالطبيب، الذي يطلق عليه بينيل «المدير» قاصدا من وراء ذلك مغزى معينا، إلى التحدث إليه «بصوت مدو» (ذكر هذا التعبير أكثر من مرة في كتابات بينيل)، ثم قام بتجميع كل الأشخاص القائمين بالخدمة وهدد بأنه سيستخدم معه الوسائل الأكثر تطرفا. أربكت هذه النبرة الحازمة المجنون وأرعبته، فعزم إذن على تناول القليل من الطعام. وبدأ يستعيد شيئا فشيئا قواه وينتظم في نومه. وصار في طريقه نحو الشفاء. وهكذا تغلبت على إرادته (السيئة) إرادة «المدير» (الطيبة).
अज्ञात पृष्ठ