जुनून का इतिहास
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
शैलियों
1
وهكذا، يظل المأوى الذي كان يضم، في نهاية عام 1790، 165 مختلا عقليا، رجالا ونساء، صامدا ولكنه سيفقد تدريجيا استقلاليته؛ نظرا للصعوبات المالية التي ستواجهه.
في باريس، نالت الدور الخاصة التي تحولت إلى «مشاف» أهمية بالغة بشكل مفاجئ؛ نظرا لأنها استطاعت، لكونها علمانية، أن تظل مفتوحة. نذكر في هذا الصدد على وجه الخصوص دار بيلوم الكائنة في 70 شارع شارون، في ضاحية سان أنطوان. في الأول من مايو 1791، بلغ عدد النزلاء بها 47؛ ما بين مختلين عقليا وعاجزين، رجالا ونساء، أقدمهم موجود في هذه الدار منذ عام 1774. وقد التحق بهذه الدور زهاء عشرين شخصا منذ الثورة. جميعهم كانوا يدفعون نفقة إقامة، وكثيرون لم يمروا على أي محكمة، وبعضهم لم يذكروا في سجلات الدخول إلا بعبارة موجزة: «مجنون، وحر.» نالت دار بيلوم شهرة واسعة لعدة أسباب؛ فقد كان يختبئ بها إبان عهد الإرهاب - مقابل دفع نفقات مالية باهظة - عدد من الرءوس التي حالفها الحظ في الهرب والنجاة بهذه الطريقة من المحكمة الثورية. ازدهرت التجارة بشكل كبير لدرجة أنه أصبح لزاما على المؤسسة أن تتوسع، وانتهى الأمر بإلقاء القبض على جاك بيلوم. ولكنه هرب ونجا من المقصلة وظلت الدار مفتوحة أثناء وجوده في السجن. وحين توفي في عام 1824، خلفه ابنه البكر - الذي كان يعمل طبيبا - مدشنا بذلك العصر الطبي الحقيقي للمشفى. وهناك أيضا، في دار بيلوم، شرع ذاك الطبيب المبتدئ، الذي جاء إلى باريس في عام 1778 ليبدأ مسيرته المهنية، في معالجة مرضاه عقليا الأوائل في عام 1786. إنه الطبيب فيليب بينيل.
وضع حرج
في كل مكان كان الوضع حرجا. في باريس، كانت الدور الخاصة باهظة للغاية وتحولت الدور الصغيرة إلى مآو للأرامل المسنات والعجزة. ومن جديد لم يتبق على الساحة إلا بيستر وسالبيتريير؛ هاتان المؤسستان اللتان أصبحتا أكثر اكتظاظا، وأكثر تخصصا من أي وقت مضى في استقبال الميئوس من شفائهم الذين «أصبحوا لا يستثيرون إلا مشاعر الشفقة والعطف الأكثر عقما والأشد قسوة، وهي مشاعر لا يخفف من حدتها أدنى أمل في الإغاثة.» لم تكف نزيلات سالبيتريير المجنونات عن التزايد، فقد بلغ عددهن 600 في مطلع يناير من العام الحادي عشر (1803)، و794 في عام 1813، و1542 في عام 1821، و1760 في عام 1824، وهي السنة التي توفيت فيها أقدم نزيلة بلا منازع في المشفى، وهي المدعوة ماري لويز بوديه، المريضة بالصرع. كانت هذه النزيلة قد دخلت مؤسسة سالبيتريير في اليوم الموافق 12 ديسمبر 1758، وهكذا قضت هناك 66 عاما.
في الأقاليم، تضاعفت صيحات الإنذار التي أطلقها مديرو المشافي ودور الإيواء لدى وزارة الداخلية. ففي كل مكان، كانت الميزانيات، التي أصبحت منذ ذلك الحين ملقاة على كاهل الدولة، غير كافية. وكانت دور الإيواء في مارسيليا تعاني من المجاعة وتطالب بنقل المأوى الذي يضم المختلين عقليا؛ نظرا لتهالك المباني (العام السادس). أما مأوى شاتو تييري الخيري، فكان يطالب باستمرار بمده على وجه السرعة بخمسمائة قنطار من القمح: «ما مصير هؤلاء المرضى المساكين، وأرباب العائلات البؤساء، وأولئك العاجزين الأشقياء من المختلين عقليا الذين أودعتهم الحكومة هذه الدور؟» (10 مسيدور، العام الرابع). في شاتوبريان، «كان وضع المأوى مزريا لدرجة أنه في غضون أيام قليلة، إن لم يتلق مساعدات، فسيتم إغلاقه» (الأول من فروكتيدور، العام السابع). كان الوضع مماثلا في بلوا، وليل، وكاربنترا؛ حيث بعث المديرون بلا مواربة رسالة إلى الوزير على النحو التالي: «ها نحن بصدد رسم لوحة تعكس لكم الويلات التي نقاسيها منذ فترة طويلة من جراء البؤس الأشد قسوة الذي حاق بنا، ونجرؤ على القول إن صمت الحكومة هو المسئول الوحيد عن هذا الوضع» (4 فينتوز، العام الثامن). «الجوع لا يعرف التأجيل»، بهذه العبارة المقتضبة والمصاغة بأسلوب بليغ لخص بيزو - نائب تارن في مجلس القدماء - الوضع القائم (16 مسيدور، العام السابع). اختتم المسئولون الإداريون في مقاطعة شير خطابهم الذي أرسلوه بتاريخ 28 بريريال من العام السادس إلى «المواطن الوزير» على النحو التالي: «إن دور الإيواء التابعة لهذا المركز الإداري، والتي نكتب إليكم بشأنها ليست هي المؤسسات الوحيدة التي تعاني من الفاقة ونقص الموارد بشكل يدعو للقلق. ففي مستودعات التسول وأيضا في الدور التي تحتجز أولئك المساكين المصابين بالهياج والجنون، والذين يصل المبلغ الإجمالي لنفقتهم الشهرية إلى 2200 فرنك، الخبز على وشك النفاد. ولا يمكن أن تنظر الحكومة بعين التجاهل واللامبالاة إلى تلك الكائنات التي ستشكل خطرا بالغا إذا ما أطلقت في المجتمع، والأمر يتطلب من جانبكم اتخاذ تدابير سريعة للوفاء باحتياجات هؤلاء الأشخاص واتقاء التجاوزات الحتمية والمشاهد المؤلمة التي قد نشهدها من جراء ذلك.» وهكذا، لم يعد بالتأكيد إضفاء الطابع الطبي على الجنون موضع اهتمام وعناية.
كان وضع المختلين عقليا في مستودعات التسول دراميا بالفعل. في بوليو، بلغت نسبة الوفيات بين المختلين عقليا 57٪، مقابل 13٪ بين المسجونين. في أغسطس 1800، كان المستودع يضم 41 مجنونا ومجنونة، من بين إجمالي عدد النزلاء البالغ نحو 350 سجينا. يذكر أن أحد عشر شخصا كانوا موجودين هناك قبل عام 1790. كانت الاعتقالات وعمليات الاحتجاز في هذا المستودع لا تزال إذن مستمرة، مع وجود نسبة 13٪ من المحتجزين قادمة من السجون. وقد جعلت الضائقة المالية الفصل بين المختلين عقليا والفئات الأخرى من السجناء أصعب من أي وقت مضى (بالإضافة إلى أن المختلين عقليا أنفسهم - فيما يعد انحدارا رهيبا بالمقارنة مع النظام القديم - كان ينظر إليهم باعتبارهم سجناء بحكم الأمر الواقع.) لم يكن من المستغرب، في ظل هذه الظروف، أن يصبح الجنون مزمنا، كما هو مبين في الشرح الذي قدمه طبيب بوليو في الثاني عشر من مايو 1793: «لم نر في الحوادث الصادرة عن المواطنة لوتيلييه - المسجونة في بوليو - إلا عاطفة سوداوية بحق، ومخيلة يستحوذ عليها بقوة شيء رئيس، وقد يضعف من حدة هذا الخيال بشكل مفيد مهام التنظيف المنزلية التي تقوم بها للعناية ببيتها، ورفقة زوجها، ومداعبات أطفالها الذين تحبهم، وصورة المجتمع الدائم الحركة والنشاط. أما إذا تركت لحالها بعيدا عن أي مصدر إلهاء، فبإمكاننا على الأقل أن نتوقع عودة هذه المريضة تدريجيا إلى الحالة السيئة التي كانت عليها، وربما يصل الأمر إلى انعدام الأمل في شفائها على الإطلاق.»
الفصل الثاني
مداواة الجنون
ربما يكون وضع المجانين الذين تم احتجازهم في عهد النظام القديم - إذا استثنينا من ذلك الإصلاحات التي أجريت بعد فوات الأوان، إلى جانب ذلك الوضع الذي خلفته الثورة الفرنسية، بمجرد أن توقفت أعمال لجنة التسول - يدفعنا إلى التصور أنه، فيما عدا خدمات الرعاية المبهمة التي كانت تقدم للبعض، لم يكن هناك أي تفكير حقيقي جدير بأن يسمى تفكيرا بشأن الجنون أو معالجته. ولكن هذا ليس صحيحا، وهي ليست بمفارقة بسيطة حين يتكشف أن المجانين والجنون قد سلك كل واحد منهما بطريقة أو بأخرى طريقا منفصلا عن الآخر. لقد كونا - في نهاية الثورة - عالمين استمرا متوازيين. وقد سادت حالة متبادلة من الإنكار والتجاهل بين ردود الفعل الاجتماعية والاستجابات الطبية، والدليل على ذلك قلة حالات الاحتجاز الناتجة عن تشخيص الطبيب. ولكن هذا ليس المقياس الذي يتم على أساسه الحكم على الجنون. وتعبير «الحكم على» مناسب لمقتضى الحال، بما أن القاضي هو الذي يقرر في النهاية من يعد مجنونا، ومن ليس كذلك. أما فيما يتعلق بالرعاية التي كانت تقدم إلى المريض في المشفى الرئيس بباريس وفي المشافي الأخرى بالمدن الكبرى، فقد اقتصرت - مع توافر حسن النوايا - على دستور العقاقير والحمامات اللذين يتم التوصية بهما منذ العصور القديمة. بيد أن البحث (إذا كان لدينا الجرأة على قول ذلك) حول الجنون كان ثريا للغاية وأسهم، أكثر بكثير مما هو شائع، في ميلاد الطب النفسي. ومع ذلك، لم تسفر هذه النظريات في زمانها - لتعددها ولجرأتها في كثير من الأحيان - عن ممارسات تطبيقية. وقد عبرت لجنة التسول عن أسفها الشديد حيال هذا الوضع على النحو التالي: «مما لا شك فيه أنه قد نشر عدد كبير من المؤلفات العلمية الهامة والغنية بالمعلومات حول هذا الموضوع الشائق، ولكن هذه المذاهب لم تحقق أي نفع ولا فائدة لهذه الطبقة البائسة ولم تخفف من آلامها.»
अज्ञात पृष्ठ