जुनून का इतिहास
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
शैलियों
كانت مؤسسة بيستر، كما هو متوقع ربما، الأكثر إثارة للخزي والعار. «قرحة مروعة في الجسم السياسي، قرحة كبيرة وعميقة ومتقيحة»، على حد تعبير لويس سباستيان مرسييه. وقد خصص لها ميرابو كتيبا. «لقد واتتنا الشجاعة للذهاب إلى بيستر، أقول الشجاعة [...] كنت أعلم كالجميع أن بيستر مشفى وسجن في الوقت نفسه، ولكنني كنت أجهل أن المشفى بني لتوليد الأمراض والسجن أنشئ لإنتاج الجرائم.» انتهينا من المصابين بالأمراض التناسلية، وها هم المجانين: «هذا بالأحرى معرض للعقول المضطربة وليس مشفى؛ حيث ثمة تفكير حقيقي في شفاء هؤلاء المختلين عقليا [...] القادمون الجدد يطلقون بصورة عشوائية على هذا الحشد الصاخب من الحمقى: ومن وقت لآخر، يجري عرضهم كوحوش مثيرة للغرابة والدهشة على أول فظ مستعد لأن يدفع ستة قروش لرؤيتهم. إزاء معاملة مماثلة، أيتعين أن نندهش إذا تدهورت نوبات الاستلاب العقلي الطفيفة وتحولت إلى نوبات من الغضب الشديد بحيث تصل إلى ذروة الهياج؟ أيتعين أن نندهش إذا انتابنا سخط حيال المجنون؟ أن يتم السماح بمثل هذه التسلية المؤلمة في بلد متحضر، لهو أمر يصعب تصديقه، ولكن أن يجري التغاضي عنها في أمة مقتنعة تماما بإنسانيتها وفخورة للغاية بها، كالأمة الفرنسية، فهو ما لا يمكن تصوره أبدا.»
2
التعليمات المتعلقة بطرق التحكم بالمختلين عقليا ...
أصبح وجود عدد متزايد من المختلين عقليا داخل المشافي العامة ودور الاحتجاز الجبري ومستودعات التسول يطرح مشكلة، ليس على الصعيد الأيديولوجي، وإنما على الصعيد العملي المتعلق بوجودهم الجماعي وبالحاجة الملحة إلى قانون خاص ينظم عملية احتجازهم. إذا سلمنا بأن المختل عقليا مريض، فلم يوضع في أماكن تأديبية؟
أكب جيه إف دوفور - طبيب ذاع صيته عام 1770 حين نشر بحثا بعنوان «دراسة حول عمليات الإدراك البشري والأمراض التي تصيبها بالخلل» - على تقصي مسألة محددة؛ ألا وهي احتجاز «ضحايا الأهواء البشرية أو الحظ العاثر »،
3
وذلك بتفكيره في حلول جديدة إثر حريق المشفى الرئيس بباريس. نادى دوفور بإنشاء مشفى خاص، يحوي غرفا واسعة، وأراضي مسيجة حيث يمكنهم التنزه، وأماكن جيدة التهوية لاستنشاق الهواء النقي، وسريرا لكل مريض مع ضرورة فصل مرضى طور النقاهة عن المرضى الذين ما زالوا يتلقون العلاج. وقد وافقته الرأي لجنة التحقيق حول المشافي، التي أنشئت بقيادة رئيس أساقفة تولوز لوميني دي بريان: «بعض هؤلاء المعاقين تقتضي المصلحة العامة احتجازهم، مثل المجانين والمختلين عقليا، بل ومرضى الصرع في بعض الأحيان. فينبغي أن يتم إيداعهم في المشافي أو في الدور المخصصة لهذا الغرض.»
تأسست في عام 1781 هيئة للتفتيش العام والدائم على المشافي المدنية ودور الاحتجاز الجبري. وعهد بها إلى الدكتور كولومبييه، وعين له مساعدان هما الطبيبان دوبليه وتوريه. وسرعان ما بادر كولومبييه إلى القيام بجولة حقيقية لتفقد الأوضاع في المشافي العامة ومستودعات التسول في أرجاء فرنسا. رأى كل شيء، واطلع على الرسوم التخطيطية، وندد بلا هوادة بالوضع المؤسف للمنشآت، ناظرا بعين الرعاية إلى المختلين عقليا على وجه الخصوص. بدأ في كل مكان يوصي بإنشاء أبنية جديدة، وتحسين الظروف الصحية والمعيشية. ولكن، أين هي الإعانات المالية اللازمة للقيام بذلك؟ لا أحد، بدءا بالدولة، يملك المال. كان مديرو المشفى العام بكليرمون فيران، في مذكرة أرسلوها إلى المراقب العام في يونيو 1786، هم أول من أقروا أن «الحجرات الحالية تكشف عن منظر منفر لمكان مخصص لحيوانات قذرة.» وبينما لم يكن المكان يسع إلا عشرة من المختلين عقليا، ازدحم بالكثير من المختلين القادمين من مختلف الأقاليم و«لم يعد المشفى قادرا على تقديم المساعدة لهؤلاء البؤساء وسط هذا الوضع المزري.» واختتم المديرون مذكرتهم بطلب إعانات مالية، حتى ولو كانت متواضعة، من أجل تشييد مبنى جديد، وأرفقوا طي خطابهم المخطط الهندسي لهذا المبنى الذي سيشمل «22 حجرة جديدة، وأفنية واسعة، وملاعب، وحمامات». في مستودع التسول بروان، لم يكلف أحد نفسه حتى عناء الرد على كولومبييه الذي تمت مقارنته «بمشروعاته الهائلة، بالذبابة». كان المفتش أحيانا يجد المؤسسة مدارة بصورة جيدة. كما هي حال المشفى العام بشارتر، «ولكن مبانيه كانت على وشك الانهيار».
كان احتجاز المختلين عقليا دائما ما يطرح مشكلة اتخذت قالبا رسميا بصدور «تعليمات حول الطريقة التي يجب اتباعها من أجل التحكم في المجانين والعمل على شفائهم في المصحات المخصصة لهم» في عام 1785 بناء على أمر من الحكومة. تم نشر هذا المنشور المكون من 44 صفحة، «على نطاق واسع» في الإدارات العامة (بالنسبة إلى تلك الحقبة)، وهو يعد شهادة ميلاد تكفل السلطات العامة بالجنون على نحو خاص. نقرأ في المقدمة بعض الكلمات المتعلقة بحب الخير ومساعدة الغير على النحو التالي: «يلتزم المجتمع بتوفير الحماية الكاملة وخدمات الرعاية للأفراد الأكثر ضعفا والأشد بؤسا.» وهم - بالإضافة إلى الأطفال - المختلون عقليا. «إذا كانوا يثيرون الشفقة، إلا أننا - إذا جاز التعبير - نميل إلى الابتعاد عنهم لتجنب المنظر المؤلم للعلامات البشعة الموسومة على وجوههم وأجسادهم في غيبة عقلهم.» تضاعفت المصحات في فرنسا، ولكنها «لم تخفف إلا من الذعر العام، ولم تستطع إرضاء الإحساس بالشفقة [...] إذ جرى حبس الآلاف من المختلين عقليا في دور الاحتجاز الجبري دون أن يفكر أحد أدنى تفكير في علاجهم. وكان يخلط بين نصف المجنون والمجنون الكامل، الفاقد تماما لرشده، وكذلك بين الغضوب الهائج والمجنون الهادئ [...] وما لم تتدخل الطبيعة لنجدتهم بإبرائهم، فإن آلامهم ستنتهي بانتهاء حياتهم.»
الجزء الأول، «المتعلق بكيفية إيواء المختلين عقليا ورعايتهم وتوجيههم»، يرجع الفضل فيه إلى كولومبييه. (أما الجزء الثاني، الذي حرره دوبليه وتم تخصيصه للحديث عن المعالجة، فهو أقل ابتكارا؛ إذ اكتفى فقط بتلخيص نظريات ذلك العصر التي سنتوقف عندها بالتأكيد لاحقا.) إن الغني، الذي يتلقى العلاج في المنزل، قد يشفى. فلم لا يشفى الفقير؟ «من الضروري وجود أماكن لائقة مخصصة لاستقبال هؤلاء الأشقياء، بحيث تنقسم هذه الأماكن إلى نوعين؛ أحدهما: مخصص للعلاج، والآخر: مخصص لاحتواء أولئك الذين لا يمتثلون للأوامر.» وفيما يتعلق بهؤلاء، تظل هناك دائما إمكانية لحدوث الشفاء «الطبيعي» وليس لأحد أن يعوق ذلك. بإيجاز، لا بد من توفير مساحات كافية، وهواء، وماء، ومبان نظيفة وصحية ، وأماكن للتنزه، مع مراعاة وضع نظام غذائي مناسب (أي لا يحتوي على كثير من اللحوم)، واتباع جدول مواعيد منظم بدقة، والسماح بالزيارات اليومية لمفتشي الصحة ... وليتم تقسيم القطاع الخاص بالمختلين عقليا إلى عدة أقسام فرعية في الطابق الواحد، بحيث يكون كل قسم محاطا بفناء ورواق للتنزه تابع له على هيئة مربع. وفي الزوايا تكون الغرف والمهاجع ، وعلى الجانبين الغرف الشاسعة التي تبلغ مساحتها «ثمانية أقدام مربعة» (وهي أكبر بقليل من المساحة المعتادة). كما يتم إنشاء مراحيض في كل زنزانة، وتوفير حمامات مياه ساخنة وباردة. وأخيرا، وهنا تكمن الفكرة الأكثر ابتكارا، يتم وضع المختلين عقليا في مناطق بحسب التصنيف على النحو التالي: «لا يمكننا إغفال تخصيص قاعات للأنماط المختلفة من المجانين [...] قسم للبله، وآخر لذوي السلوك العنيف من المجانين، وثالث للمجانين ممن يتسمون بالهدوء، ورابع لأولئك الذين يتمتعون بفترات صحو تدوم لبعض الوقت ويسيرون في طريقهم نحو الشفاء.»
अज्ञात पृष्ठ