212

जुनून का इतिहास

تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

शैलियों

لكل من هؤلاء «الشهود والفاعلين» الذين شنوا حملة ضد الاحتجاز لأسباب نفسية، كان السؤال الذي يطرح بالطبع هو معرفة ما إذا كانوا بالفعل مجانين أم لا. لم يصل الأمر إلى حالة إليزابيث باكار - التي كان يشتبه في إصابتها بحالات سابقة من المرض العقلي

9 - الأمر الذي لم يغير إطلاقا من حجاجها القانوني. وفيما يختص بهارسيلي روي، فالسؤال لا يستحق أن يطرح. في عام 1883، ظهر كتابها «مذكرات مريضة عقليا». فبعد أربعة عشر عاما من الاحتجاز المتقطع، رفعت قضية ونالت من الدولة تعويضا ضخما بسبب الاحتجاز غير القانوني. وها هي تصبح في فرنسا بطلة حالات الاحتجاز التعسفي، مشعلة الجدل مرة أخرى حول قانون 1838. في الواقع، تم تنقية طبعات كتابها «مذكرات» التي صدرت بعد وفاتها (توفيت عام 1881) بعناية من هذيانها المتعلق بميلادها الغامض (تعتقد أنها ابنة دوقة بيري، ولكن تم اختطافها من قصر التويلري). إلا أن الحكم استند إلى خطأ في الشكل وليس في المضمون. فجأة، جذبت رواية هارسيلي عن عائلتها اهتمام الأطباء النفسيين الذين اعتبروها نموذجا لحالات «الهذيان الواعي» (هلوسة منطقية ومتماسكة). وهكذا، من هذه الناحية، تمكنت من أن تثبت أنها ضحية احتجاز تعسفي ونالت شهرتها. لكن هذا لا يمنع أنه يتم ذكرها على يد المؤرخين إلى اليوم باعتبارها ضحية للحبس النفسي.

10

وأيضا في عام 1883، ظهر ديوان للذكريات كتبه أندريه جيل بمصحة شارنتون.

11

كان جيل رسام كاريكاتير، ولكنه لم يعرف إلا البؤس طوال حياته. كان صديقا لجول فاليسا، وتم احتجازه بشارنتون عام 1881 بسبب إصابته بهلاوس الثراء والعظمة المصحوبة ب «هياج هوسي»، وفي النهاية تم تشخيصه بالشلل العام. أطلق سراحه للمرة الأولى، وأثناء نقاهته، رسم لوحة تعبر عن ظروفه في صالون عام 1882: «المجنون»، وهي تجسد مريضا عقليا مقيدا بسترته وملقى في زاوية الزنزانة (ولسخرية القدر، كانت هذه اللوحة أفضل لوحة بيعت من مجمل أعماله). ولكن أعيد احتجازه مرة أخرى بشارنتون، ومات عام 1885 في الخامسة والأربعين من عمره. إن جنون جيل ليس موضع شك لأي شخص، كما يظهر ذلك في لوحة الملاحظات الطبية الكئيبة حول حالته.

12

كان يمكن أن تذهب كتاباته القصيرة أدراج الرياح - شأنه شأن الكثيرين - لولا أن ألفونس دوديه - الذي كان أحد أصدقائه - كان قد وافق على كتابة مقدمة لها. «فجأة، أبلغت أنه محتجز في مصحة شارنتون. وقيل لي: إن المقيمين حوله لم يندهشوا من هذا الأمر. ولكن بالنسبة إلي، سبب لي الأمر ذهولا ورعبا. كان جيل هو ثالث عضو في مجموعتنا الصغيرة الذي يصيبه الجنون: شارل باتاي وجان ديبوا كانا قد ماتا في مصحات الأمراض العقلية.» وفي الفترة ما بين الاحتجازين، التقى دوديه بجيل: «لقد خرجت من شارنتون، لقد شفيت.» «وبعد ثلاثة أيام، وجدوه ملقى في إحدى الطرق الريفية فوق كومة من الحجارة والفزع يملأ عينيه، فاغرا فمه، فارغ العقل، مجنونا! كان ذلك منذ عدة شهور، ومن حينها وأنا أسعى لكتابة مقدمة مؤلفه مقاوما الرعشة التي تنتابني بمجرد إمساكي لريشتي. جيل يا صديقي! أأنت هنا؟ أتسمعني؟ أين أنت؟ ... أقسم إني أردت أن أقدم لك شيئا فصيحا، كتابة جيدة مثلك، وفيرة وفنية ومشرقة مثل مذكراتك العزيزة. لقد حاولت، ولم أستطع.» ولكن يبدو الأمر هنا متعلقا أكثر بالخوف من الجنون منه بمناهضة الطب النفسي. فلم يخطر لأحد أن ينكر الجنون.

ولم يكن هناك بد من تورط الأدب. ولكن لن نتوقف هنا إلا عند تعبيره عن مناهضة الطب النفسي، دون التطرق لقضية الجنون الإبداعي أو الخبل الشعري الذي تحركه مصادر الإلهام. «وصمني الناس بالجنون، ولكن العلم لم يقل لنا إلى الآن عما إذا كان الجنون أسمى درجات الذكاء أم لا، وعما إذا كان كل ما هو عميق يأتي من مرض في التفكير» (إدجار بو). وسنترك جانبا حالات الجنون المعترف بها، التي أصابت بعض الكتاب مثل جيرارد دو نيرفال وهولدرلين وأنطونين أرتو، ولا سيما أن هذا الأخير قد أصبح - خاصة منذ فوكو - أحد أعلام مناهضة الطب النفسي. ألم يقل أرتو - أثناء حلقة إذاعية عام 1946: «إن مصحات الأمراض العقلية ليست سوى مستودع للسحر الأسود الواعي والمتعمد.» وليس فقط أن الأطباء يشجعون هذا السحر بطرق علاجهم، بل إنهم يمارسونه أنفسهم. فإذا لم يكن هناك أطباء، فلن يكون هناك مرضى؛ لأن المجتمع بدأ أولا بالأطباء، وليس المرضى. فالذين يحيون إنما يحيون من الأموات، ولكن يجب أيضا أن يحيا الموت [...] لا يوجد شيء مثل مصحة الأمراض العقلية يخفي الموت بكل هدوء، ويحتفظ بالموتى. وكتب أرتو أيضا: «يوجد لدى كل مخبول قدر من العبقرية غير المفهومة، ولكن فكرته التي تشع في رأسه تثير الخوف، فلم تستطع أن تجد مخرجا لها من الضغوط التي تمارسها ضدها الحياة إلا الهذيان.»

لم تكن الروايات في النصف الأول من القرن العشرين، والتي يمكن وصفها بالمضادة للطب النفسي - أو إذا أردنا الدقة المناهضة لأطباء الأمراض العقلية - لها أيديولوجية اجتماعية أو سياسية بالمعنى الذي نقصده اليوم. كانت لها أيديولوجية نوعا ما في طريقتها في إظهار التخوف من مصحة الأمراض العقلية والطب العقلي. كانت هذه هي حال أول جائزة جونكور أهديت عام 1903 لجون أنطوان عن روايته «القوة المعادية».

अज्ञात पृष्ठ