जुनून का इतिहास
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
शैलियों
كان للتحليل النفسي الدور الأهم في تطوير الطب النفسي. ونؤكد أن حديثنا في هذا الكتاب لا يهدف لدراسة تاريخ التحليل النفسي، وإنما دراسة مدى تأثيره على الطب النفسي الذي انبثق منه كما رأينا أثناء حديثنا عن الهستيريا.
ولذلك، سنعود إلى بلولير في بيرجولزي بزيورخ قبل وبعد اندلاع الحرب العالمية الأولى. كانت بيرجولزي هي المركز الأكثر نشاطا في الطب النفسي الأوروبي وملتقى أطباء الأمس والغد. وكان بلولير من أوائل الأطباء النفسيين الإكلينيكيين الذين اعترفوا بفرويد، إن لم يكن أولهم بالفعل. وكتب - في مقدمة أعظم إسهاماته «الخبل المبكر، أو مجموعات الفصام» في «بحث في الطب النفسي» بآشافنبرج (1911) - ما ذكرناه قبلا: «التقدم والتوسع في مفاهيم الأمراض النفسية ليس إلا تطبيق أفكار فرويد على الخبل المبكر.» كان بلولير لفترة ما منسقا لأول مجلة في التحليل النفسي، والتي أسسها فرويد عام 1908 (مجلة البحوث في مجال الأمراض النفسية والتحليل النفسي). ولكنه لم ينغمس كليا في حركة التحليل النفسي، بل وشهدت علاقته بفرويد نوعا من الفتور منذ عام 1910. ولم يعد بلولير يستخدم مصطلحات فرويد في تحليله حول محتوى الهذيان والاضطرابات النفس-حركية: «تحرك، تكثيف، ترميز، نكوص نرجسي، تعبير اللاوعي»، مؤكدا على التشابه بين تفكير الحلم والتفكير المتوحد (تريا).
12 «يمثل نظام بلولير القطيعة مع الأطر التصنيفية الجامدة للأمراض، وأيضا مع التشاؤم والاستسلام المميزين لنظام كرابلين. فهو يعيد للمريض وضعه ككائن تحركه المخاوف والرغبات. فلم يعد المريض كائنا غريبا، مجنونا [...] بين كرابلين وفرويد، يأتي بلولير في منتصف الطب النفسي المعاصر.»
13
وأيضا في بيرجولزي، اكتشف تلاميذ بلولير - كارل أبراهام (1877-1925) والسويسري لودفيج بينسفاجنر (1881-1966) والأمريكي أبراهام أردن بريل (1874-1948) وخاصة كارل جوستاف يونج (1875-1961) - التحليل النفسي، وعكفوا من حينها على نشره. وأصبح بريل - على حد تعبيره - «الممثل الرسمي للأستاذ فرويد» في الولايات المتحدة الأمريكية والمترجم (تقريبا) لأعماله. وقرب نهاية حياته، كتب: «عندما عرفت التحليل النفسي لأول مرة، لم أتصور أبدا أنه يمكن اعتباره شيئا منفصلا عن الطب النفسي؛ وذلك لأني دخلت هذا العالم الجديد الغريب عني تماما من خلال مركز الطب النفسي بزيورخ.»
14
ويعد المجري ساندور فيرينزي (1873-1933) تجسيدا لهذا الجيل من شباب الأطباء النفسيين الذين سيعتمدون طريقة التحليل النفسي. في عام 1918، أصبح هو رئيسا لجمعية التحليل النفسي الدولية (كانت قد تأسست أول «جمعية للتحليل النفسي» عام 1910).
كان الأطباء النفسيون الذين تأثروا بأفكار فرويد كثيرين، ولكنهم سرعان ما انفصلوا عنه لكونه لا يقبل الاختلافات في المذاهب النفسية. كانت تلك هي حالة ألفريد آدلر (1870-1933) الذي تعرف على فرويد عام 1902، ثم ترأس في عام 1910 جمعية فيينا للتحليل النفسي. وحدثت القطيعة عام 1911 عندما قدم آدلر بيانه حول «الاحتجاج الذكوري كمسألة محورية في العصاب». وقلل في بيانه من دور الكبت والأصول الجنسية للعصاب، معليا من دور الشعور بالنقص. وإذ به يختزل عقدة أوديب المقدسة في «حركة نفسية أوسع»: مفهوم «الاحتجاج الذكوري»، والمقصود بكلمة ذكوري ليس سياقها الجنسي. ورفض بلولير أيضا نظرية فرويد «عن تفسير كل عمل وفقا لدوافع جنسية في العقل الباطن.» ومن جانبه، ابتعد بينسفاجنر عن أفكار فرويد، ولكن دون قطيعة صريحة. فنظرا لدراسته للفلسفة، أبدى اهتماما أكبر بالنظريات الظواهرية لهوسريل وهايدجر، محاولا بلوغ استنتاجات عن طريق الاستفادة من إسهامات التحليل النفسي. ولكن مستلهما أفكاره بالتحديد من علم الظواهر، وتوصل إلى طريقة علاجية جديدة في مطلع الثلاثينيات: «التحليل الوجودي». في كتابه النظري، يعمل بينسفاجنر على إعادة تركيب وفهم عالم التجربة الداخلية للمريض عقليا.
كانت القطيعة الكبرى هي تلك التي ليونج، الذي كان يعد قبلا ولي عهد فرويد، ولكنه سرعان ما انفصل عنه تماما منذ عام 1913. ثم وضع نظريته الخاصة «علم النفس التحليلي» أو «علم نفس الأعماق» (علم الروح العميقة واضطراباتها). في كتابه الضخم «الأنماط النفسية» الذي صدر بتاريخ 1921 - والذي لم يكف عن إكماله وإثرائه في عمل ضخم وهائل - كان يهدف إلى «إسقاط الطابع المطلق» الذي اتخذته نظريات فرويد المتناقضة، وأيضا نظريات آدلر. فإلى جانب «اللاوعي الفردي»، يؤمن يونج بوجود «لاوعي جمعي» يكون نتاج تراكم الخبرات البشرية عبر آلاف السنين، والذي يعبر عنه بنماذج كبرى توجد في أساطير جميع الحضارات، ومن بينها «الأنيما» (وهو مبدأ أنثوي يوجد في كل رجل)، و«الأنيموس» (وهو المبدأ الذكري الموجود في كل امرأة)، و«الظل» وهو صورة خيالية تعبر عن اللاوعي الفردي. وتعمل طريقة يونج العلاجية (والتي تتميز بهذا قبل كل شيء) - وهي أكثر توجيهية من طريقة فرويد - على إعادة ربط المريض على نحو نشط بجذوره باستخدام تحليل الأحلام وبرفض الدور الإيجابي للنقل. وعلى عكس فرويد، لا يعترف يونج بالدور الحاسم للطفولة في الإصابة باضطرابات نفسية في سن النضوج، والتي تتحدد «وفقا لتعامل الشخص مع العالم الخارجي».
15
अज्ञात पृष्ठ