जुनून का इतिहास
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
शैलियों
ولكن على مر العقود، أصبح العمل لغاية علاجية عملا فقط بل وثقيلا أيضا: حتى عشر ساعات يوميا (ثمان فقط في النصف الأول من القرن العشرين). وبغض النظر عن طبيعة جنونهم، كان معظم المرضى يمارسون داخل المؤسسة نشاطا فعالا (وليس بهدف «شغلهم» كما يتضح لاحقا). في عام 1867، كانت نسبة المرضى الذين يعملون بدوام كامل في مصحة بون سوفور بكاين تبلغ 68٪ للرجال و78٪ للنساء. في عام 1893، أنجز 61 ألف يوم عمل؛ خصص ثلثها لأعمال التنظيف، والثلث الثاني للخدمات: المطبخ والغسيل. وانقسم الثلث الثالث - الذي يخضع لمراقبة لصيقة من الموظفين الخارجيين - ما بين الورش والمزرعة. ولا يمكن التصديق بأن هذا العمل كله كان لأهداف علاجية؛ فمزرعة أو مزارع بون سوفور كانت تنتج في عام 1926 ثمانية وعشرين طنا من البطاطس، وسبعين طنا من الخضراوات الأخرى (مثل الكرنب)، وخمسة وثمانين طنا من التفاح، وثلاثة آلاف دستة من البيض، ومائة وخمسة آلاف لتر من اللبن، وثلاثة عشر طنا ونصف طن من لحم الخنزير، كل هذا لم يكن يكفي إلا بالكاد لإطعام المشفى الضخم (الثالث على مستوى فرنسا عام 1875، والذي يضم 1023 مريضا).
وتستلزم رعاية الحدائق والمساحات الخضراء - اللازمة لأي مصحة - عددا كبيرا من المرضى. كما تتطلب أعمال الخبز وإصلاح الأحذية وورش الصيانة وترميم المباني جهدا ورجالا أشداء. أما المريضات، فكن يستخدمن بكثرة في أعمال نظافة وتقشير الخضراوات وغسل الملابس والأواني، وأحيانا كن يعملن في الورش لأعمال التريكو وإصلاح الملابس والتفصيل والتطريز. في عام 1853، في مصحة سالبيتريير، كان تسع وستون بالمائة من المريضات يعملن وينتجن ما يقرب من نصف مليون قطعة مصنوعة: قمصان وسترات المجانين وملابس داخلية وجوارب ومناديل وتنورات داخلية ومفارش ... إلخ. ويمكن القول بأنه بالنظر إلى قلة ما يدفع لهؤلاء المرضى العاملين، لن تكون ميزانية المصحة قادرة على التخلي عن أيدي عاملة بهذه الضخامة. واستمرت هذه الحال حتى العقود الأولى من القرن العشرين - حينما بدأ هذا التناسب في الانخفاض - خاصة بعد أن أصبح استغلال المصحات للمرضى في أعمال «تسخيرية» واضحا للعيان. فلم تكن الجرأة الشديدة التي سادت في القرن التاسع عشر حيال هذا بالأمر «السليم سياسيا».
كان الضغط الذي تمارسه المصحة على المرضى لتحفيزهم على العمل قويا للغاية، ولأن من يرفض العمل كان يتعرض لعقوبات عديدة: الحرمان من بعض الحريات في التحرك، أو منعه من التدخين أو أي طعام أو نبيذ إضافي، بل وقد يصل الأمر إلى توقيع عقوبات حقيقية عليه. ويبدو هذا الخطاب الاحتجاجي الذي أرسلته مريضة في عام 1880 مفيدا لنا في هذا الشأن وإن كان من جانب واحد فقط: «حينما كنت في الجناح الثاني (في مصحة أوكسير) كنت أعمل في تصليح البياضات، وكنت أنجز ما يقرب من ثلاث ملاءات جديدة يوميا، وكنت أصنع أيضا أغطية للرأس تستخدم أثناء الليل. وكنت أعمل أيضا في تصليح القمصان النسائية وأغطية الوسادات والمناشف والأقمشة، ولم يكن يشوب عملي أي خطأ. (في المنطقة الرابعة) جاءت الراهبة آر ... - المسئولة عن قسم الطي - لتحضرني لأصبح مسئولة عن طي الملاءات، وهي واحدة من أصعب المهام، وكانت تبقيني واقفة على قدمي لما يقرب من سبع ساعات؛ حيث كنت أقوم بطي حوالي مائتي ملاءة لأضعها في آلة الكي ثم أقوم بطيها أو أمررها للتصليح. في شهر أبريل، قلت للراهبة آر ... إني أعاني من آلام في قدمي، وإني لم أعد أرغب في طي الملاءات. فأعادتني إلى قسم التصليح. (كان النقل إلى مصحة بون سوفور في كاين «كنا جميعا مستقرين جيدا».) كنت أجلس في غرفة كبيرة يعمل بها ما بين أربعين إلى خمسين شخصا تحت إشراف الراهبة إم ... وكنت أعمل على إصلاح الملابس الداخلية لقضاء وقتي، ولكني بمجرد أن شعرت أن هذا العمل إجباري رفضته على الفور. قالت لي الراهبة إم ... إنه إذا أصررت فسيتم إرسالي إلى عنبر المصابات بالهياج. أجبتها بأني سأذهب إلى هناك. وبالفعل ذهبت، وهناك قمت بتطريز ما يقرب من أربعين مترا من الدانتيل للسيدة إف ... صاحبة العمل.» للأسف، لا يوجد مثل هذه الخطابات التي تشرح كيف كانت الحياة اليومية هناك إلا نادرا. ففيما يمكن اكتشافه من مراسلاتهم، يظل مرضى الأمراض العقلية حبيسي عالمهم الخاص وهذيانهم، وبالتالي نادرا ما يأتون على ذكر الحياة الواقعية.
كانت القدرة على العمل معيارا محايدا للخروج؛ حيث يثبت أن المريض أصبح قادرا على الاندماج ثانية في المجتمع (مما يثبت ثانية أن السلوك الاجتماعي يعد عاملا مهما، بل وأكثر أهمية من المقياس «النفسي»). وعلى العكس، فإن المريض الفقير العاجز عن العمل أو الرافض له تندر فرص خروجه، والدليل على ذلك ما كتبه كبير الأطباء في عام 1848 بنوع من الخبث بخصوص مريض في مصحة بون سوفور بكاين: «يقول المريض: إنه شفي وإنه على استعداد تام للعمل، بل ويطلب أي وظيفة، ولا سيما وظيفة المحافظ.»
في الأساس، يحدد كبير الأطباء، وليس سواه، من هم المرضى القادرون على العمل، إلا أن الحقيقة والواقع يختلفان تماما. نظريا، تكون زيارة الطبيب يوميا قبل بدء العمل داخل المصحة، إلا أن جميع الشهادات أجمعت على أن هذه الزيارات كانت تتم مقابل مبلغ مالي. وبمصاحبة كبير المراقبين والمتدربين معه والطبيب المساعد إن وجد، كان كبير الأطباء يمر بالمرضى المصطفين بطول الجدار. وكما يروي ماكسيم دي كامب في تحقيقه الموسع حول باريس - والذي درس فيه بإسهاب وضع مصحات الأمراض العقلية
10 - «فإن المرضى لديهم كلمة معتادة، تعبير لا يتغير يلقنوه لنا؛ فكانوا يقولون: الطبيب يمر، الطبيب سيمر. كان الطبيب يمر بالفعل، لم يكن بمقدوره فعل شيء آخر؛ لأنه لم يكن له الحق في التوقف.» ويجري دي كامب حساباته بأن كل طبيب أمراض عقلية في منطقة السين يكون لديه مائتان وواحد وستون مريضا لزيارته، وفي حين أن اللائحة الداخلية بتاريخ العشرين من مارس 1857 تحدد أن تلك الزيارة لا بد من أن تكون يومية. وفي الواقع، فإن الأطباء أنفسهم هم أكثر من يبدون أسفهم لهذا الإهمال. في عام 1905، كتب أحدهم: «أنريد رفع المرضى عقليا مصاف وكرامة المرضى العاديين أم لا؟»
11
إذا كانت الإجابة بنعم، «فإن المرضى في حاجة إلى أطباء!» وينعى هذا الطبيب أن كبير الأطباء - نظرا للظروف - لا يعتني إلا بالمرضى الجدد (حيث يكون عليه تقديم شهادات إجبارية لقبولهم بالمصحة) وبالحالات الحادة، تاركا المرضى بأي مرض عقلي مزمن. «وبالتالي، بطريقة غير محسوسة، قد يصل به الأمر إلى إقناع ذاته بأنه لا يمكن شفاء هؤلاء المرضى؛ لأنه لا يرى أيا منهم قد شفي.» رهيبة هي الكلمات التي خطتها ريشة ماكسيم دي كامب: «لدينا علماء على أعلى مستوى، ولكن على الرغم مما لديهم من علم، ينقصهم الإيمان، ومن ثم يبدون غير واثقين من قدراتهم، وهذا هو أخطر شيء.»
في منتصف القرن العشرين، كان كبير الأطباء «يمر» - على ما يبدو - بسرعة شديدة. ولقد تمكن أندريه سوبيران - طبيب ومؤلف كتاب «الرجال ذوو المعاطف البيضاء»، أحد أشهر الكتب في عصره - من إجراء زيارة طويلة لمصحة سانت آن للأمراض النفسية، وعلى وجه الخصوص قسم التمريض المتخصص الشهير الذي أنشئ في عام 1872؛ حيث كانت الشرطة تودع «الأفراد المشتبه في إصابتهم بمرض عقلي» لإخضاعهم للملاحظة. ولقد حول الدكتور سوبيران هذه الجولة إلى رواية
12
अज्ञात पृष्ठ