7
في ملك سورية، وتسابق الفريقان في أن يحزب يوناثان معهما، فأطلق ديمتريوس اليهود المسجونين في البرج ورفع جانبا عظيما من الجزية، وقدم شيئا كثيرا لخدمة الهيكل، وأما إسكندر فعين يوناثان رئيس الكهنة مكان الكيمس الذي كان قد مات فقبل يوناثان واتفق مع إسكندر، ولما غلب هذا سنة 150ق.م، عظم شأن يوناثان وصار رئيس اليهود الديني والسياسي وأحسن السيرة ونجح، ولما استؤنف الخصام في مملكة سورية سنة 147ق.م، وساءت سيرة إسكندر بالاس، ومات ديمتريوس تولى ابنه ديمتريوس الثاني سنة 146ق.م، وطرد إسكندر من الملك، ثبت يوناثان فيما كان عليه، مع أنه كان حليف إسكندر سابقا، وسنة 145ق.م شرع يحاصر البرج على جبل صهيون الذي بقي كل هذه السنين بيد العدو ومكنهم من التسلط على المدينة ونهبها، ولما لم يقدر على افتتاحه عنوة سوره وسد على من فيه وبقي الحصار نحو ثلاث سنوات.
ثم انقلبت الأمور في سورية، وقام تريفون الذي اغتصب سرير الشام وطرد ديمتريوس الثاني، وأقام مقامه أنطيوخس السادس وهو ولد صغير لإسكندر بالاس وصالح يوناثان، ولكن لما أراد تريفون هذا عزل أنطيوخس ابن سيده واغتصاب الملك عمد إلى إهلاك يوناثان لئلا يقاومه؛ لأنه كان يعتقد أن يوناثان محب لأنطيوخس فأتى إلى بطلمايس (أي: عكا)، ودعا يوناثان للمشاورة، فلما جاء قبض عليه وقتله سنة 144ق.م، وأراد قتل أخيه سيمون أيضا، لكنه نجا فرجع تريفون، وأما سيمون فأخذ جثة أخيه ودفنها في مودين، حيث دفن جميع إخوته وبنى عليهم ضريحا فاخرا وخاطب قومه قائلا: لقد علمتم كل ما عملناه أنا وإخوتي بعد وفاة أبينا، وهو مخاطرتنا بأنفسنا في ساحة الحرب غيرة على شريعة الله الطاهرة ودفاعا عن بيت مقدسه، وقد قتل جميع إخوتي وبقيت الوحيد في بيت أبي وحاشا لي أن أمتنع عن الحرب والدفاع بكل قوتي لخلاص نسائكم وأولادكم من الأمم التي تروم إهلاكنا واستعبادنا، والآن يا إخوتي وشعبي اسمعوا كلامي وانهضوا معي إلى مقاومة الأعداء، ويقيني أن الله الذي نتكل عليه ينصرنا على مقاومينا.
ثم سد مسد يوناثان في الرئاسة وشدد الحصار على البرج، ولم يكف عنه حتى افتتحه سنة 142ق.م، وهدمه ودكه دكا، ونزع شيئا من الصخرة من تحته؛ لئلا تصير أساسا لبرج بعده، فإنهم احتملوا به شدائد لا توصف، ثم قوى أسوار المدينة، ولا سيما الأسوار المحيطة بالهيكل لكي يصير حصنا منيعا، وأحسن سيمون السياسة وحصل اليهود بعنايته على استقلالهم، فيؤرخ ملكهم من السنة الأولى لسيمون سنة 143ق.م، وتمتع الناس مدة بالسلام بعد أن تضايقوا من أعدائهم سنين كثيرة, واحتملوا مشقات لا مزيد عليها.
ولما ازداد عتو تريفون اغتصب الملك من أنطيوخس السادس وعزله، وكان قد ملك أنطيوخس السابع أخو ديمتريوس فاتفق مع كليوباترا وحاربا تريفون فقتلاه .
وأراد أنطيوخس هذا إضافة اليهود إلى مملكته فبعث إليهم جيشا هزمه ابنا سيمون، فلم يعد أنطيوخس يغزو اليهودية مدة حياة سيمون، فإنه كان قد غلظ أمره كثيرا وجدد المعاهدة مع رومية وحالف السبرطيين، لكن بطليموس زوج ابنته المدعو بالعبرية تلماي صاحب أريحا دعا سيمون وبنيه إلى وليمة، ثم قام على سيمون وقتله هو وابناه يهوذا ومتاثياس غدرا، وكانت غايته أن يبيد كل نسله، إلا أن مقصده لم يتم إذ كان يوحنا أحد بنيه غائبا، فإنه لما علم أن تلماي يروم قتله هرب إلى بلد في الجبال أهلها يكرهون تلماي، وتبعه تلماي اللئيم راغبا قتله، فدافع أهل البلد عنه وطردوا تلماي، ورجع يوحنا بعد ذلك فتولى الملك بعد سيمون سنة 135ق.م.
وكان يوحنا يلقب بهركانس، ولما استقام له الأمر سار بجيش إلى أريحا للانتقام من بطليموس اللئيم وتخليص أمه وإخوته منه، فنازل المدينة، ولما تضايق بطليموس أخرج الأم وبنيها وأوقفهم على السور، وصرح بأنه يطرحهم إلى أسفل إن لم يكف هركانس عنه، فنادته أمه وحثته أن يبقى على ما كان عليه إلى أن ينتقم من المذنب ولو هلكت هي وبنوها، لكن هركانس كره أن يكون سبب هلاك أحبائه فانصرف، فلما علم بطليموس بالفرج قتلهم جميعا وهرب.
ثم شرع أنطيوخس السابع يخضع اليهود وحاصر أورشليم محاصرة شديدة، ولم يقدر أن يفتتحها لقوة أسوارها ونشاط أهلها، وفي أثناء ذلك كان عيد المظال لليهود فطلب هركانس فترة سبعة أيام فيه فسمح بذلك أنطيوخس وقدم له ذبيحة من ثيران كسيت قرونها بالذهب لتقديمها قربانا على مذبح الرب، وأوان من ذهب وفضة ثمينة مملوءة بخورا فأثر ذلك في هركانس وفي الشعب، وتحققوا أن أنطيوخس هذا ليس كأنطيوخس السالف الذي لم يحترم بيت الله ودنسه بتقديمه خنازير على المقدس، ورشه دمها وشحمها على جدران الهيكل وإبطاله التوراة، بل هو رجل يخاف الله فاتفقوا على أن هركانس يعترف بملك أنطيوخس ويؤدي الجزية عن بعض المدن، ويهدم أسوار أورشليم، ويقبل فيها حراسا من قبل أنطيوخس، غير أنه بدل هذا الشرط الأخير بتأدية 500 وزنة من الفضة، وتم ذلك سنة 133ق.م، لكنه بعد قليل نجا اليهود من يد ملك سورية، فإنه لما سار أنطيوخس إلى محاربة الفرثيين لتخليص أخيه ديمتريوس سنة 128ق.م سار هركانس في صحبته وتأخر عن جيش أنطيوخس حين هزيمته فعاد سالما وانتهز الفرصة لإعادة استقلاله ولم يخضع لملوك سورية لتشويش أمورهم، وكان ذلك سنة 128ق.م.
ولما انتظم لهركانس أمر المملكة عمد إلى إخضاع القبائل المجاورة، فاستولى على ما كان لبني إسرائيل من عبر الأردن وأوصل تخومه إلى البحر المتوسط، ثم أغار على الأدوميين الذين تعدوا على تخوم اليهودية الجنوبية وأجبرهم على الختان وسائر سنن اليهود ليزيل جنسيتهم، وكان اليهود قد احتملوا مشقات ثقيلة من تسلط دولة الأدوميين عليهم.
وأخضع هركانس السامريين وخرب هيكلهم على جبل جرزيم لمضي مائتي سنة بعد بنائه، وأراد بذلك إبادة تلك العبادة الفاسدة التي كان السامريون يعيرون اليهود بها، وحاصر مدينة السامرة وضايقها، فاستصرخ أهلها ملك سورية الذي أمدهم بجيش، فلما عرف بقدومه ابنا هركانس القائمان بحصار المدينة أسرعا إلى لقاء جيش السوريين وهزماه، ثم رجعا إلى السامرة فساءت حالها واشتد ضيقها فسلمت سنة 109ق.م فخربها هركانس وتركها بلقعا وضم أرضها إلى مملكته، وأضاف إليها الجليل، فصارت مملكة ذات شأن تكاد تكون كمملكة داود وزخرف هركانس أورشليم وحصنها وعظم شأنه كثيرا، لكنه حدث في أواخر ملكه مشاجرات أقلقته وانشقت بها الأمة بعد موته، وصدر ذلك الانشقاق من الفريسيين والصدوقيين، وكان هركانس من الفريسيين وهم فرقة شديدة التعصب والتمسك بفرائض الدين، وقد زادوا على ما رسم في التوراة شيئا كثيرا، وحدث ذات يوم أن هركانس أولم لأرباب تلك الشيعة، وفي أثناء سرورهم خاطبهم في شأن حكمه الديني والسياسي، وأبان لهم أنه طالما بذل جهده في نفع الأمة، وقال لهم: إن كان عليه شيء فليقدموه فأثنوا عليه ثناء حسنا، لكن أحدهم كان رجلا رديئا واسمه العازار نهض، وقال له: إن أردت أن تسلم من الغلط والعيب فاعتزل رتبة الكاهن الأعظم واكتف بالملك السياسي، فقال: ما سبب ذلك؟ قال: سمعنا من أجدادنا أن أمك كانت سبية في أيام أنطيوخس أبيفانيس وبحسب قواعد الشريعة غير مباح لك تقلد هذه الوظيفة، ثم تحقق أن والدته لم تكن سبية كما قال، وغضب على العازار وغضب الشعب عليه، وكانوا يريدون قتله على هذه الإشاعة الباطلة واغتاظ هركانس ومن معه من ذلك الافتراء الشنيع، غير أنه ظن أن ذلك لم يكن من المتكلم وحده، وأن الفريسيين هم الذين أغروه به فاتهمهم وقوى ظنه ذلك الصدوقيون لحقدهم، فنشأ الانشقاق وصار بعد قليل علة شر عظيم، ومات هركانس سنة 106ق.م بعد أن ملك 31 سنة، وكان كاهنا أعظم.
अज्ञात पृष्ठ