40000 جنيه
لجمعية الإحسان
هذه الصدقات الكبيرة، أما الصدقات الصغيرة التي تقل الواحدة منها عن عشرين ألف جنيه فكثيرة جدا، ويبلغ مجموع ما تصدقت به هي وزوجها أكثر من خمسة وعشرين مليون جنيه، كما تقدم ولعلها كل ثروتها أو أكثرها.
هذا هو الكرم الحميد، وهذه هي المناقب التي يفتخر بها الرجال والنساء، والرجل وزوجته شرقيان من بني إسرائيل من أرض فلسطين، ولو كانت أوروبا دارهما ومسقط رأسهما.
المقتطف (12-2) بيت روتشلد
لا مشاحة في أن بيت روتشلد أكبر البيوتات المالية والتجارية في العالم كله، وله معاملات كثيرة مع حكومات أوروبا وآسيا وعلاقة كبرى مع الحكومة المصرية وهي مديونة له بملايين كثيرة من الجنيهات، فلا عجب إذا قلنا: إن جميع الممالك تحسب حسابه وتهتز لكلمة منه، وكلمة منه تكفي لخراب ألوف من البيوتات المالية وعمار ألوف، وهو عنوان الثروة الطائلة والاتحاد الأخوي وأصالة الرأي، ومن لم يسمع بشهرة أفراد هذا البيت وهم أعظم العائلات قدرا وأوسعها جاها وأسبقها في حلبة الاجتهاد، فالمطلع على تاريخهم وتراجم حياتهم يرى من مظاهر الحزم والإقدام وعلو الهمة، وعمل الخيرات والمبرات ما يتخذ قدوة لرجال المال وأصحاب الثروات في إدارة الأعمال، وعمل الخير والإحسان ومساعدة الجنس البشري.
أول من غرس دوحة مجد هذا البيت هو ماير أنسليم روتشلد، ولد في فرانكفورت سنة 1743، وتوفي فيها سنة 1812، وأصله من عائلة إسرائيلية فقيرة الحال أرسله أبوه من صغره إلى مدينة فرس ببفاريا فدخل إحدى مدارسها، حيث تلقى الدروس الابتدائية، ثم استعد لدرس العلوم الدينية؛ لأن أباه كان يريد أن يكون حاخاما ، ولكنه غير فكره عند رجوعه إلى فرانكفورت وعزم على الدخول في مضمار التجارة لشدة ميله إليها من صغر سنه، ودخل في بيت أوبنهيم الصيارفة في مدينة هانوفور فمكث فيه ثلاث سنوات تعلم في خلالها المساومة والصرافة والمضاربات المالية، وتدرب على إدارة الأعمال وبرع فيها حتى صار من مديري المحل، وبعد أن جمع مبلغا قليلا من المال رجع إلى مدينته الأصلية سنة 1780 وفتح فيها محلا صغيرا للصرافة، واقترن بعد ذلك بالآنسة شسنيبر، وكانت على جانب عظيم من الذكاء فساعدته كثيرا في توسيع محله وإدارة أشغاله، فكانت هي تدير أشغال المحل بكل اجتهاد وهو يتنقل في البلاد المجاورة، حيث يبيع بضائعه ويشتري غيرها، ولم تمض إلا سنوات قليلة حتى تقدمت تجارة روتشلد ونجح محله نجاحا باهرا، كل ذلك راجع إلى اجتهاده وأصالة رأيه وبعد نظره في عواقب الأمور، واشتهر بالاستقامة والأمانة ووثق به التجار الكبار في فرانكفورت ومانيس ودرمستاد؛ لأنه كان يدفع ما عليه في مواعيده فأجمعوا على احترامه واستشارته في كثير من المسائل، وصاروا يقضون جميع أشغالهم عن يده، فكان ينجزها في سرعة ودقة واستقامة حتى إنهم لقبوه «باليهودي الأمين»، وفي أيام الثورة الفرنساوية كان اسم روتشلد معروفا بين كثيرين، ولكنه كان صغيرا إذا قورن مع غيره من الماليين العظام والتجار الكبار، وقد ساعدته التقادير وأتته فرصة غير منتظرة فتحت له موارد الثروة ورفعته إلى أعلى مقام وصيرته أكبر رجل مالي في العالم.
ذلك أن حكومات أوروبا كانت قائمة في ذلك الأوان على نابوليون بونابرت خوفا من بطشه واتساع سلطته، وكانت جيوش نابوليون تخترق أوروبا شرقا وغربا شمالا وجنوبا، وقد زحف قسم كبير منها بقيادة الجنرال هوش فرانكفورت للانتقام من أمير هيس؛ لأنه كان يؤجر رجاله للإنكليز ليحاربوا بها بونابرت ويأخذ الأموال الكثيرة مقابل ذلك، ولما قرب الجنود من المدينة بلغ الأمير الخبر فعزم على الهرب من وجه الأعداء، ولكنه وقع في حيرة ولم يدر ماذا يعمل بأمواله الكثيرة، فبعث إلى روتشلد وأتمنه على جانب كبير منها بغير ربا، فابتدأت من ذلك الحين ثروة بيت روتشلد، وكان الأقرب إلى الظن أن روتشلد يرفض طلب أمير هيس؛ لأن المال شرك الردى، ولا سيما في مثل هذه الأحوال ولو رفض لتغير تاريخ أوروبا، فإنه يقال عن ثقة: إن بيت روتشلد حفظ السلم ثلاث مرات، ولكنه قبل أموال الأمير وخبأها في حفرة تحت الأرض؛ لأنه عرف أن الجنود ستدخل بيته لا محالة، ودخلت الجنود الفرنساوية بعد قليل إلى فرانكفورت، ودخلت البيوت تنهب ما فيها، وجاءت بيته فأخذ يتوسل إليهم أن يتركوا له شيئا من ماله فلم يصغوا إليه، بل نهبوا كل ما وجدوه في البيت، ولو أخفى أمواله الخاصة مع أموال الأمير لفتشت الجنود عنها ووجدتها ووجدت أموال الأمير معها، ولكنه افتدى أموال الغير بماله، وذلك مما يدل على أمانته ووفائه، والوفاء مشهور عن اليهود من أيام السموأل بن عادياء فإنه جاء بابنه دون دروع امرئ القيس.
ولما أجلت الجنود عن المدينة ورجع الأمن إليها أرسل روتشلد جانبا من المال إلى ابنه في لوندرا، وأخذ يستعمل الباقي ويدينه بربا فاحش إلى ملوك أوروبا الذين كانوا في حاجة كبيرة؛ لينفقوا على الحروب ويقوموا بتعبئة الجيوش، وهم يأخذون هذا الربا من شعبهم، وحتى يومنا هذا كل مكلف في أوروبا ومصر يدفع شيئا من ماله الخاص إلى بيت روتشلد عن يد حكومته، فاعجب ببيت يأخذ الجباية من نحو 400 مليون نفس.
هكذا استعمل روتشلد المال المودع بطرق شريفة وربح من ورائه أرباحا عظيمة وجمع ثروة طائلة لا تحصى ولا تقدر، ولما رجع أمير هيس إلى فرانكفورت عرض عليه روتشلد أن يرجع إليه ماله فرفض وأبقاه عنده لعشرين سنة بربا اثنين في المائة، وأهدى إلى ابنه هدايا سنية.
अज्ञात पृष्ठ