ويعقوب ابنه هو جد اليهود الثالث، ولقبه إسرائيل وإليه ينتسب اليهود فيقولون: إسرائيليون، وفي أيامه انتقلت أسرته إلى مصر كما سيأتي.
وتزوج يعقوب من ابنتي خاله بعد أن أقام في خدمته أربع عشرة سنة، وولد له منهما ومن سريتيه أحد عشر ابنا وابنة واحدة وأحد أولاده يوسف الذي نقم عليه إخوته فباعوه من تجار مصريين، وهؤلاء جاءوا به إلى مصر، فكان في خدمة أحد موظفي حكومتها، ثم سجن ظلما وعدوانا، لكنه عاد فأطلق سراحه ودخل في خدمة فرعون حيث أصبح ثانيه في السلطة، وله حديث طويل مع إخوته ليس هذا محله، وأخيرا أرسل فأتى بأبيه وإخوته إلى مصر فأقطعهم فرعونها جزءا من الدلتا فاحتلوه وأقاموا هناك زمانا طويلا في عيش رغيد قائمين على رعاية السائمة والزراعة في بقعة من أخصب بقاع الأرض، لكن الزمان أبى إلا معاندتهم، فقلب لهم ظهر المجن إذ تغيرت الأسرة الحاكمة في مصر، وقام بعدها ملوك كرهوا الإسرائيليين فأذلوهم واستعبدوهم وسخروهم في بناء المدن والقصور وأصروا على قرضهم، فأمر فرعون بذبح الذكور من المولودين واستحياء الإناث، وفي ذلك العهد ولد موسى وتلطفت أمه في الحيلة حتى نجا من الموت، واتخذته ابنة فرعون ابنا لها فربته في قصر أبيها حتى شب فدرس علوم المصريين وحكمتهم وآدابهم حتى حذقها وبرع فيها.
2
الفصل الثالث
موسى والخروج من مصر
قضى الإسرائيليون في مصر نحو أربعمائة سنة ذاقوا في خلالها حلاوة رغد العيش وصفائه، وتجرعوا مرارة الذل والاستعباد، فبعد أن قبلهم الفراعنة على الرحب والسعة وأقطعوهم الأراضي الخصبة لهم ولمواشيهم عادوا فانتقضوا عليهم واستبدوا بهم وأقروا على قرضهم من مصر، فاتخذوا لذلك جميع الوسائل من مثل تشغيل الرجال بالأشغال الشاقة، وقتل الذكور من المولودين فيهم، ولا يعلم بالتأكيد أي الفراعنة بدأ بظلمهم والجور في معاملتهم، وإنما يظن كثيرون من علماء الكتاب أنه آمس (أموسس) الأول، وهو أول ملوك السلالة الثامنة عشرة، وقال بعضهم: بل هو رعمسيس الثاني (الملك الثالث من الأسرة التاسعة عشرة)، وهو سيزوستريس اليوناني صاحب الغزوات المشهورة والمباني الفخيمة.
ولما شب موسى ورأى ما يحيق ببني جنسه من الإرهاق والظلم وما يقاسونه من صنوف العذاب، ثارت في صدره النخوة الجنسية وهاجته العصبية إلى الانتصار لهم، فأخذ يطوف بينهم لعله يرى بابا للفرج، ورأى مرة أحد الوكلاء المصريين يضرب إسرائيليا ضربا مبرحا، فانتصر للإسرائيلي وقتل المصري، ولما شاع الأمر وخشي أن يناله عقاب القاتل، فر إلى أرض مديان، وهي في البرية واقعة عند خليج العقبة إلى طور سيناء، فتزوج فيها بابنة يثرون كاهن المكان، وأقام هناك أربعين سنة، وجاء في التوراة أن الله ظهر له في طور سيناء وأمره بالعودة إلى مصر لإنقاذ بني إسرائيل، وأظهر له من العجائب ما أثبت به قدرته وأتى إليه بأخيه هارون، فعاد الاثنان إلى مصر وبذلا جهدهما في إقناع فرعون؛ كي يأذن للإسرائيليين في الخروج من بلاده إلى حيث يعبدون إلههم، فلم يذعن لمطالبهما، وأخيرا أمرهما الله بأن يضربا مصر بالضربات العشر المشهورة، ففعلا حتى إذا ما عيل صبر المصريين أذن فرعون للإسرائيليين في مغادرة بلاده، فخرجوا منها وفيهم ستمائة ألف مقاتل ما عدا النساء والأولاد، ولما انفصلوا عن المصريين ندم هؤلاء على ما فرط منهم، إذ تركوا عبيدهم يفلتون من أيديهم فتبعوهم حتى أدركوهم على شاطئ البحر الأحمر، فخاف الإسرائيليون من المصريين لقرب عهدهم بظلمهم واستبدادهم، فشق الله البحر الأحمر وعبروا فيه على اليابسة، ولما حاول المصريون اللحاق بهم عاد البحر، فاتصلت أمواجه وطمت عليهم فأغرقت جيشهم.
1
ولم تنته علاقات الإسرائيليين بالمصريين عند الخروج، فإنه بعد قيام الملكية فيهم عادت المواصلات بين الفريقين، فكان بعضها حبيا سلميا، وبعضها حربيا عدائيا، فمن ذلك أن سليمان بن داود تحالف مع ملك مصر واتخذ ابنته زوجة له، ومنها أن المصريين غزوا أرض كنعان فأخضعوها وقتلوا أحد ملوك الإسرائيليين ثم عادوا مرة أخرى فأعانوهم على رد هجمات البابليين، هذا فضلا عن الروابط التجارية والصناعية التي كانت بين البلادين، كما ورد في أخبار ملوك بني إسرائيل، فقد كانوا يأتون بالخيل ونحوها من مصر، ويصنعون فيها المركبات، ثم إن مقام الإسرائيليين في مصر زمانا طويلا كالذي أشرنا إليه أثر في أخلاقهم وعاداتهم وأساليب معيشتهم، والظاهر أنهم تناولوا الشيء الكثير عن المصريين الذين كانوا في أوج مجدهم، ومنتهى عزهم وسؤددهم حتى كانوا أرقى الأمم المعروفة في ذلك العصر وأشهرها في العلوم والمعارف، وقد بدا شيء من هذا التأثير في الإسرائيليين أيام كانوا في البرية والتيه، كما يرى من مراجعة أخبارهم المدونة في سفر الخروج من التوراة.
الفصل الرابع
अज्ञात पृष्ठ