कला का इतिहास और प्रसिद्ध चित्र
تاريخ الفنون وأشهر الصور
शैलियों
وخيال الرسام أبعد في إدراك الجمال من الطبيعة التي ينقل عنها، فقد حكي عن «موسلر» الرسام الإنجليزي أن سيدة وقفت تنظر إلى رسمه، فلما تأملته انتقدت عليه مخالفته للطبيعة فأجابها: «هو كما قلت مخالف للطبيعة، ولكن أما كنت تودين أن تكون الطبيعة كذلك؟» وهذا يجرنا إلى البحث عن الأصل أو الباعث الذي يبعثنا على ممارسة الفنون الجميلة، فإننا عند التأمل لا يسعنا إلا الاعتراف بأننا نمارس الفن الجميل لأننا نبتغي منه جمالا نرى فيه ما يرضينا أكثر من الحقائق الواقعة التي حولنا؛ أي: أننا نرى في الطبيعة نقصا نحاول بخيالنا أن نكمله بالفن الجميل.
مثال ذلك أن الفخاري قد يصنع قدرا من الطين يشويها على النار فتخرج سوداء كابية، فيعمد إلى تزيينها وزخرفتها بالألوان والرسوم، فهو إنما يجملها بهذه الزخارف لأنها في الأصل قبيحة، ولكن هب أن صائغا قد صنع كوبا من الذهب الخالص، فهل نحتاج ونحن ننظر إلى هذا الكوب إلى أن نطلب من هذا الصائغ أن يزينه ويزخرفه بالألوان والرسوم؟ كلا، فالصائغ وهو يصنع هذا الكوب من الذهب لا يحتاج إلى أن يمارس فيه فن الرسم، ولكن الفخاري وهو يصنع القدر من الطين يحتاج إلى ممارسة فن الرسم.
فالذي يبعثنا على ممارسة الفنون أننا لا نرضى برؤية الطبيعة ساذجة؛ لأنها في سذاجتها ليست جميلة، فلو كنا نأكل ونشرب في صحاف وأكواب من ذهب لما احتجنا إلى زخرفتها، ولكن المواد التي نصنع بها أدوات الطعام والشراب ليست جميلة فنحن نجملها بالفنون.
ولو كانت الأحجار التي نبني بها منازلنا حسنة تمتع العين برؤيتها لما احتجنا إلى أن نكسوها بالطلاء ونجملها بالرسوم، ولو كان سواد الناس حائزين صفات الجمال لما احتجنا إلى صنع التماثيل ورسم الرسوم للوجوه الجميلة، ولو كنا نتكلم فيلذ للناس سماع كلامنا كأنه الغناء لما تعلمنا الغناء، ولو كان في حفيف الشجر وهفيف الرياح وتغريد الطيور ما يقنعنا ويستهوي أفئدتنا لما احتجنا إلى فن الموسيقى، ولو كنا نمشي كأننا نرقص لما ظهر فن الرقص.
فالذي يبعثنا على ممارسة الفنون الجميلة أننا لا نجد في الطبيعة ما يرضينا ولا نجد في مواد الصناعة ما تشتهيه نفوسنا من الجمال، وهناك مواد جميلة، ولكنها قليلة لا تكفي الناس، وهي لجمالها لا نحب أن نزينها، فلو كان الدرج الذي نرتقي عليه إلى منازلنا من البلور الصافي لارتقيناه ساذجا لا نقش عليه، ولو كانت أدواتنا المنزلية من الذهب لقنعنا بها ساذجة أيضا.
والحرير من الأقمشة الفاخرة، ولذلك نعجب به إذا كان ساذجا، والمرأة الجميلة نعجب بها أكثر كلما أنقصت من ثيابها، وإنما التكحل فن يقوم مقام الكحل.
واعتبر ذلك في جميع الفنون حتى النثر والشعر، فإنه إذا كان المعنى عميقا يبلغ القلب ويعكس لنا حقيقة بارعة، لم نحتج إلى الزخارف اللفظية التي تسمى بالبلاغة، وإنما نحتاج إلى هذه الزخارف إذا سخف المعنى، كما يحتاج القماش السخيف إلى مختلف الصبغ والحواشي لإخفاء سخافته، وأكثر الكتاب في العربية انغماسا في الزخارف اللفظية هو الحريري؛ لأنه لا يعالج من المعاني سوى النزر التافه.
ونحن والطبيعة كلها من أصل واحد؛ ولأننا نشترك في وحدة الأصل نشترك أيضا في الغايات، فما هو راق جميل عند الطبيعة كذلك هو راق جميل عندنا.
فنحن نعرف من قصة التطور في العالم أن الجماد سبق النبات، وهذا سبق الحيوان، ثم نعرف من تطور الأحياء كيف أن الحياة ظهرت أولا في أشكال حقيرة في خلايا منفردة كالميكروبات، ثم متصلة بلا نظام كالإسفنج، ثم فيها بعض النظام الهندسي مثل نجمة البحر والقشريات، ثم السمك، ثم حيوان اليابسة من برمائيات وزواحف، وأخيرا نرى في رأس التطور الطيور واللبونات.
فإذا صح أننا والطبيعة نتفق في النظر، وجب علينا أن نرى الجمال في أرقى أحيائها ونراه في أدون درجاته في أدنى أحيائها أو حتى في جمادها، وهذا هو الواقع الذي نحس به، فأقل المناظر جمالا بل أكثرها قبحا هو منظر الطبيعة الجرداء الخالية من أمارات الحياة؛ أي: منظر الجماد.
अज्ञात पृष्ठ