الألفاظ تتكون طبقًا للحاجات العملية والتصورات العامية، فتسيطر على تصورنا للأشياء، فتوضع ألفاظ لأشياء غير موجودة، أو الأشياء غامضة أو متناقضة. وهذا أصل كثير من المناقشات، تدور كلها على مجرد ألفاظ.
هـ- النوع الرابع "أوهام المسرح" theatri وهي الآتية مما تتخذه النظريات المتوارثة من مقام ونفوذ. وهنا يحمل بيكون على أرسطو وأفلاطون وغيرهما من الذين يفسرون الأشياء بألفاظ مجردة كما يقول، ولكن يصعب تمييز هذه الطائفة الرابعة من الطائفة الثالثة، فإن بيكون يذكر من بين أسبابها تكوين الطبيعة الفردية والمطالعة والعرف والسلطة.
وفليست "الأصنام" أغاليط استدلالية كالتي يذكرها أرسطو، ولكنها عيوب في تركيب العقل تجعلنا نخطئ فهم الحقيقة، ويجب التحرر منها لكي يعود العقل "لوحًا مصقولًا" تنطبع عليه الأشياء دون تشويه من جانبنا. وهذه محاولة ضعيفة من بيكون في نقد العقل والتمييز بين ما له وما للأشياء؛ وهي تمهيد سلبي للمنطق الفطري الذي يصبح في غنى عن المنطق الصناعي ما دامت أسباب الخطأ قد استبعدت. وهكذا سيصنع ديكارت ومالبرانش وسبينوزا للاستغناء عن المنطق القديم.
٢٦ - المنهج الاستقرائي:
أ- هذا المنهج هو القسم الإيجابي من المنطق الجديد، والحاجة إليه ماسة لأن تصور العلم قد تغير. كان العلم القديم يرمي إلى ترتيب الموجودات في أنواع وأجناس، فكان نظريًّا بحتًا؛ أما العلم الجديد فيرمي إلى أن يتبين في الظواهر المعقدة عناصرها البسيطة وقوانين تركيبها؛ بغية أن يوجدها بالإرادة، أي: أن يؤلف فنونًا عملية. وكان العلم القديم يحاول استكناه "الصورة" أي: ماهية الموجود مثل صورة الأسد أو السنديان أو الذهب أو الماء أو الهواء، فكان مجهوده ضائعًا؛ أما العلم الجديد فيبحث عن "صورة" الكيفية أو ماهيتها، أي: عن صور الطبائع المدلول عليها بهذه الألفاظ: كثيف، مخلخل، حار، بارد، ثقيل، خفيف، وما أشبهها من حالات الموجود، سواء أكانت تغيرات في المادة أم حركات. فبيكون يحتفظ بلفظ الصورة الوارد عند أرسطو، ولكنه يعني به شرط وجود
1 / 48