विश्वव्यापी दर्शन का इतिहास
تاريخ الفلسفة بنظرة عالمية: آخر نص كتبه الفيلسوف كارل ياسبرز
शैलियों
ولقد نبهنا النقد الظاهري إلى عدد من الحقائق التي يمكن إجمالها على النحو التالي: (أ)
حسبان الخيال أو التخيل مصدرا للتحرر، فبقدر ما يجذبنا العالم الفني الخيالي للاستغراق فيه، نجده يساعدنا كذلك على التحرر منه والشعور بنوع من الصفاء والسكينة الجمالية الخالصة. وهو بقدر ما يجعلنا نغوص في خصوصيته، يتيح لنا أن نجرب خصوصية شعورنا الباطني الحميم. (ب)
حسبان العمل الفني والأدبي موضوعا قصديا مستقلا، مع تأكيد أن تجربة هذا العمل نوع من التذوق أو التأمل الذي يحقق إنسانيتنا ويزيدها عمقا وغنى وامتلاء. ومن ثم لا يكون النقد الظاهري تقويما، بقدر ما يكون تجلية للتجربة الجمالية، وإشادة بثرائها. (ج)
حسبان الاستجابة الجمالية والأدبية استجابة فعالة؛ أي عملية «وضع بين قوسين» يتخلى فيها الناقد والمتلقي عن كل افتراضاته وأحكامه المسبقة، بحيث يقصد إلى الموضوع الجمالي ذاته على نحو ما هو معطى له «بلحمه ودمه» وبحيث يستغرق فيه، كما تقدم القول، وينفتح عليه، ويسلم نفسه له كما يقضي بذلك مبدأ التفاعل بين الآفاق، أو المشاركة بين الذوات، الذي طالما أكدته الفلسفة الظاهرية، وكأننا نتعلم منها كيف نرى وكيف نقرأ كما ينبغي أن تكون الرؤية والقراءة، دون أي تحفظ عقلي، أو رغبة في الاحتفاظ بحكم عقلي مستقل (وهو درس في التواضع للمغرورين والمعذبين في أرض الأدب والفكر والفن) وعند ذلك نلتزم الالتزام المنشود من القارئ بما يقرأ، ونشعر شعورا حدسيا مباشرا بشعورنا نحن بالموضوع الجمالي الذي استغرقنا حتى جعلنا نتخلى عن التعارض أو التضاد المعتاد في المواقف الإدراكية بين شعوري أو وعيي من جهة والموضوعات أو الأشياء الطبيعية المطروحة أمامه من جهة أخرى، وفي ذلك تكمن المفارقة التي نبه إليها «دوفرين» إزاء التجربة الجمالية؛ فهي استغراق عميق مصحوب بتحرر وجداني، كما أنها تعبير عن وصف «باشلار» للخيال بأنه ضرب من التحويل الذي يحررنا من إحساسنا العادي بالواقع؛ لأن التجربة الجمالية عنده هي نوع من «الحلم» الذي تتم فيه حالة استجابة يكون فيها الشعور شديد الاستغراق وشديد الانتباه في وقت واحد؛ بل إن هذه التجربة - في رأي باشلار - تجربة نموذجية أولية (على حد تعبير يونج المشهور)، أي عودة إلى الصور والبنى الأصلية للشعور؛ وهي بهذه المثابة نوع من تحقيق إنسانيتنا وتعميقها وإثرائها. (3) نظرة تحليلية لمحتويات الكتاب
لننظر الآن في نص ياسبرز لنرى مدى تطبيقه للمنهج الظاهري في قراءته لنصوص الفلاسفة، وفي تأريخه للفلسفة من وجهة نظر عالمية. وأول سؤال يخطر على البال، هو هذا السؤال:
كيف يمكن لحواري مع الأموات أن يجعلهم أحياء؟ وكيف يستطيع الاتصال بنصوصهم أن يلبسها ثوب الحياة؟
والجواب في السؤال نفسه، وهو جواب تمتزج فيه عناصر ظاهرية وتفسيرية في وقت واحد؛ لأنه كامن في الحوار معهم ومع نصوصهم. فعندما أسأل يجيبني النص الذي لا يرد على من يمر عليه مرور الكرام. غير أن إجابة النص - أو أجوبته الممكنة - لن تصل إلى سمعي إلا إذا استطعت أن أسوغها بحسب المعنى القصدي الذي يضمره النص. وإذا لم يستجب هذا المعنى ظل الأموات صامتين. وعندما أستوعب المضمون الحقيقي وأتملكه بحق، يمكنني كذلك أن أفهم المعنى المختفي بين السطور أو تحتها ووراءها، ولن يتيسر هذا حتى تتفاعل أفكار المفكر «الميت» مع أفكاري، ويتداخل أفقه مع أفقي - كما يقول اليوم فيلسوف التفسير أو التأويل هانز جورج جادامر.
ومما يرجح هذا المنحى الظاهري أن ياسبرز يؤكد على الدوام الأسس التي يقوم عليها؛ إذ يفترض استبعاد أي أحكام مسبقة، بل يفترض وضع العالم الطبيعي والوضعي، لا معارفي وأحكامي السابقة وحدها، بين قوسين، قبل أن أحاول القرب من النص واستكناه قصده ودلالته في حيدة تامة. ومعنى هذا أن من التبجح على الفيلسوف ونصوصه أن أعد كلامه مجرد سلم أتصرف به أو أتسلق عليه، وأمضي في اتباع درب لا يقودني هو نفسه إليه،
12
أو أن أقحم عليه معنى لا ينطوي عليه، أو أقسره على الدخول في وجهة نظر مسبقة للعالم، شاء ذلك أم أبى؛ فمثل هذا السلوك لا يمكن أن يوصف من الناحية الأخلاقية إلا بانعدام الحياء.
अज्ञात पृष्ठ