इस्लाम के दार्शनिकों का इतिहास
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
शैलियों
ودون هذا من يرى جميع هذه، بعضها في يقظته وبعضها في نومه، ومن يتخيل في نفسه هذه الأشياء كلها ولكن لا يراها ببصره. ودون هذا من يرى جميع هذه في نومه فقط، وهؤلاء تكون أقاويلهم التي يعبرون بها أقاويل محاكيه، ورموزا وألغازا، وإبدالات وتشبيهات، ثم يتفاوت هؤلاء تفاوتا كثيرا: فمنهم من يقبل الجزئيات ويراها في اليقظة فقط ولا يقبل المعقولات؛ ومنهم من يقبل المعقولات ويراها في اليقظة فقط ولا يقبل الجزئيات؛ ومنهم من يقبل بعضها ويراها دون بعض؛ ومنهم من يرى شيئا في يقظته ولا يقبل بعض هذه في نومه؛ ومنهم من لا يقبل شيئا في يقظته، بل إنما يقبل ما يقبل في نومه فقط، فيقبل في نومه الجزئيات ولا يقبل المعقولات؛ ومنهم من يقبل شيئا من هذه وشيئا من هذه؛ ومنهم من يقبل شيئا من الجزئيات فقط، وعلى هذا يوجد الأكثر، والناس أيضا يتفاضلون في هذا، وكل هذه معاونة للقوة الناطقة.
وقد تعرض عوارض يتغير بها مزاج الإنسان فيصير بذلك معدا لأن يقبل عن العقل الفعال بعض هذه في وقت اليقظة أحيانا وفي النوم أحيانا؛ فبعضهم يبقى ذلك فيهم زمنا، وبعضهم إلى وقت ما ثم يزول.
وقد تعرض أيضا للإنسان عوارض فيفسد بها مزاجه وتفسد تخاييله، فيرى أشياء مما تركبه القوة المتخيلة على تلك الوجوه مما ليس لها وجود ولا هي محاكايات لوجود وهؤلاء الممرورون والمجانين وأشباههم. (19-12) القول في احتياج الإنسان إلى الاجتماع والتعاون
وكل واحد من الناس مفطور على أنه محتاج في قوامه، وفي أن يبلغ أفضل كمالاته إلى أشياء كثيرة لا يمكنه أن يقوم بها كلها وحده، بل يحتاج إلى قوم يقوم له كل واحد منهم بشيء مما يحتاج إليه، وكل واحد من كل واحد بهذه الحال، فلذلك لا يمكن الإنسان أن ينال الكمال الذي لأجله جعلت الفطرة الطبيعية، إلا باجتماعات جماعة كثيرين متعاونين يقوم كل واحد لكل واحد ببعض ما يحتاج إليه في قوامه، وفي أن يبلغ الكمال. ولهذا كثرت أشخاص الإنسان فحصلوا في المعمورة من الأرض، فحدث منها الاجتماعات الإنسانية، فمنها الكاملة ومنها غير الكاملة، والكاملة ثلاث: عظمى، ووسطى، وصغرى.
فالعظمى اجتماعات الجماعة كلها في المعمورة، والوسطى اجتماع أمة في جزء من المعمورة، والصغرى اجتماع أهل مدينة في جزء من مسكن أمة. وغير الكاملة: أهل القرية، واجتماع أهل المحلة، ثم اجتماع في سكة، ثم اجتماع في منزل، وأصغرها المنزلة والمحلة والقرية ثم هي جميعا لأهل المدينة، إلا أن القرية للمدينة على أنها خادمة للمدينة، والمحلة للمدينة على أنها جزؤها، والسكة جزء المحلة، والمنزل جزء السكة، والمدينة جزء مسكن أمة، والأمة جزء جملة أهل المعمورة.
فالخير الأفضل والكمال الأقصى، إنما ينالان أولا بالمدينة لا بالاجتماع الذي هو أنقص، ولما كان شأن الخير في الحقيقة أن يكون ينال بالاختيار، أمكن أن تجعل المدينة للتعاون على بلوغ بعض الحاجات التي هي شرور؛ فلذلك كل مدينة يمكن أن ينال بها السعادة.
فالمدينة التي يقصد بالاجتماع فيها التعاون على الأشياء التي تنال بها السعادة في الحقيقة هي المدينة الفاضلة، والاجتماع الذي به يتعاون على نيل السعادة هو الاجتماع الفاضل، والأمة التي تتعاون مدنها كلها على ما تنال به السعادة هي الأمة الفاضلة، وكذلك المعمورة الفاضلة إنما تكون إذا كانت الأمة التي فيها يتعاونون على بلوغ السعادة، والمدينة الفاضلة تشبه البدن التام الصحيح الذي تتعاون أعضاؤه كلها على تتميم حياة الحيوان، وعلى حفظها عليه.
وكما أن البدن أعضاؤه مختلفة متفاضلة الفطرة والقوى، وفيها عضو واحد رئيس وهو القلب، وأعضاء تقرب مراتبها من ذلك الرئيس، وكل واحد منها جعلت فيه بالطبع قوة يفعل بها فعله ابتغاء لما هو بالطبع غرض ذلك العضو الرئيس، وأعضاء أخر فيها قوى تفعل أفعالها على حسب أغراض هذه التي ليس بينها وبين الرئيس واسطة، فهذه في الرتبة الثانية؛ وأعضاء أخر تفعل الأفعال على حسب غرض هؤلاء الذين في هذه المرتبة الثانية، ثم هكذا إلى أن تنتهي إلى أعضاء تخدم ولا ترأس أصلا؛ وكذلك المدينة أجزاؤها مختلفة الفطرات متفاضلة الهيئات، وفيها إنسان هو رئيس، وأخر يقرب مراتبها من الرئيس وفي كل واحد منها هيئة وملكة يفعل بها فعلا يقتضي به ما هو مقصود ذلك الرئيس، وهؤلاء هم أولو المراتب الأول، ودون هؤلاء قوم يفعلون الأفعال على حسب أغراض هؤلاء، وهؤلاء هم في الرتبة الثانية، ودون هؤلاء أيضا من يفعل الأفعال على حسب أغراض هؤلاء، ثم هكذا تترتب أجزاء المدينة إلى أن تنتهي إلى أخر يفعلون أفعالهم على حسب أغراضهم، فيكون هؤلاء هم الذين يخدمون ولا يخدمون، ويكونون في أدنى المراتب، ويكونون هم الأسفلون، غير أن أعضاء البدن طبيعية، وأجزاء المدينة - وإن كانوا طبيعيين - فإن الهيئات والملكات التي يفعلون بها أفعالهم للمدينة ليست طبيعية بل إرادية، على أن أجزاء المدينة مفطورون بالطبع بفطر متفاضلة يصلح بها إنسان لإنسان لشيء دون شيء، غير أنهم ليسوا أجزاء المدينة بالفطر التي لهم وحدها، بل بالملكات الإرادية التي تحصل لها وهي الصناعات وما شاكلها والقوى التي هي أعضاء البدن بالطبع، فإن نظائرها في أجزاء المدينة ملكات وهيئات إرادية. (19-13) القول في العضو الرئيس
وكما أن العضو الرئيس في البدن هو بالطبع أكمل أعضائه، وأتمها في نفسه وفيما يخصه وله من كل ما يشارك فيه عضو آخر أفضلها، ودونه أيضا أعضاء أخرى رئيسة لما دونها، ورياستها دون رياسة الأول، وهي تحت رياسة الأول ترؤس وترأس؛ ذلك رئيس المدينة هو أكمل أجزاء المدينة فيما يخصه، وله كل ما شارك فيه غيره أفضله، ودون قوم مرءوسون منه ويرأسون آخرين. وكما أن القلب يتكون أولا ثم يكون هو السبب في أن يكون سائر أعضاء البدن، والسبب في أن يحصل لها قواها وأن تترتب مراتبها، فإذا اختل منها عضو كان هو المرفد منه بما يزيل عنه ذلك الاختلال. كذلك رئيس هذه المدينة ينبغي أن يكون هو أولا، ثم يكون هو السبب في أن تحصل المدينة وأجزاؤها والسبب في أن يحصل الملكات الإرادية التي لأجزائها في أن تترتب مراتبها وأن اختل منها جزء كان هو المرفد له بما يزيل عنه اختلاله، وكما أن الأعضاء التي تقرب من العضو الرئيس تقوم في الأفعال الطبيعية التي هي على حسب غرض الرئيس الأول بالطبع بما هو شرف، وما هو دونها من الأعضاء يقوم في الأفعال؛ بما هو دون ذلك في الشرف إلى أن ينتهي إلى الأعضاء التي تقوم بها من الأفعال أخس، كذلك التي تقرب في الرياسة من رئيس المدينة تقوم من الأفعال الإرادية بما هو أشرف، ومن دونهم بما هو دون ذلك في الشرف إلى أن ينتهي إلى الأجزاء التي تقوم من الأفعال بأخسها.
وخسة الأفعال ربما كانت بخسة موضوعاتها، فإن كانت الأفعال عظيمة الغناء مثل فعل المثانة وفعل الأمعاء السفلى في البدن، وربما كانت لقلة غنائها، وربما كانت لأجل أنها كانت سهلة جدا، كذلك في المدينة، وكذلك كل جملة كانت أجزاؤها مؤتلفة منتظمة مرتبطة بالطبع، فإن لها رئيسا حاله من سائر الأجزاء هذه الحال، وتلك أيضا حال الموجودات؛ فإن السبب الأول نسبته إلى سائر الموجودات كنسبة ملك المدينة الفاضلة إلى سائر أجزائها، فإن البرئة من المادة تقرب من الأول ودونها الأجسام السماوية، ودون السماوية الأجسام الهيولانية، وكل هذه تحتذي حذو السبب الأول وتأمه وتقتفيه، ويفعل ذلك كل موجود بحسب قوته، إلا أنها إنما تقتفي الغرض بمراتب؛ وذلك إن الأخس يقتفي غرض ما هو فوقه قليلا، وذلك يقتفي غرض ما هو فوقه، وأيضا كذلك للثالث غرض ما هو فوقا، إلى أن تنتهي إلى التي ليس بينها وبين الأول واسطة أصلا.
अज्ञात पृष्ठ