अरबी भाषा के विज्ञान का इतिहास
تاريخ علوم اللغة العربية
शैलियों
ثم انتقلوا إلى البحث عن كيفية إيراد المتكلم كلام غيره من منثور ومنظوم حسب المقتضيات والمناسبات في المحادثات والمساجلات، وأطلقوا عليه «علم المحاضرات»، وينطوي تحت ذلك علم أخبار العرب وأيامها وأنسابها والتاريخ على سبيل الإجمال.
هذه أهم العلوم التي حاط بها أسلافنا لغتهم المعربة. وهناك علوم أخرى تتصل بهذه أو تتفرع عنها، وليس هذا محل استقصائها، وإنما أوردنا في هذا التمهيد المهم مما لا بد من إيراده لربط حلقات الموضوع بعضها ببعض. ولسنا بحاجة إلى بيان ما لهذه العلوم من المكانة في خدمة اللغة المعربة وتعزيز جانبها، وتحويطها من أن يطغى عليها سيل العامية فيطمس آثارها ويعفي معالمها، ولهذا رأينا أن نلم بتأريخ كل علم منها على سبيل الإجمال وبقدر ما يتسع له المقام، فنبحث عن: نشأة العلم، وأولية تدوينه، وأطوار تدرجه في النماء والاتساع، وما تفرع عنه من الفروع، وما أصيب به من توقف أو تقلص أو جمود، مع التنويه بذكر البارزين من القائمين على خدمته والتعريف بالمهم من آثارهم فيه، إلى غير هذه من المباحث التي نرى أن في إمكان الطالب أن يجتني منها ثمرة علمية أو عملية.
اللغة العربية
(1) أصلها
يرد العلماء اليوم اللغات البشرية إلى ثلاثة أصول: السامي، والآري، والطوراني، ويعدون العربية من الأصل السامي. وإذا اعتبرنا اللغة البابلية الأولى، التي عثر على بقيتها في آثار الدولة الحمورابية، هي الأصل السامي الذي انشقت منه اللغات المنسوبة إليه؛ يترجح عندئذ أن العربية أقرب أخواتها إلى ذلك الأصل أو أنها هي الأصل نفسه، تقلبت في أطوار وتنقلت في أحوال، وحدتها القرون الخالية بالصقال حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن؛ ذلك لأن العلماء رأوا مشابهة واضحة بين العربية الحاضرة والبابلية الأولى، ووجدوا في هذه كلمات وعلامات وأصولا وقواعد هي نفسها موجودة في العربية مع خلو سائر أخواتها السامية منها، أو هي موجودة فيها مع تحريف وتحوير ليسا بالبعيدين.
فمن وجوه المشابهة بين العربية المضرية والبابلية حركات الإعراب، فإنها في البابلية كما هي في العربية، ولا أثر لها في سائر اللغات السامية، ومن هنا يظهر أن الإعراب عريق في العربية، عرفها وعرفته قبل أن يعرفها التاريخ. ومن وجوه المشابهة جمع المذكر السالم، فإنها في اللغتين «و ن»، وصيغ الأفعال في اللغتين متقاربة جدا، والتنوين في البابلية ميم ساكنة، والميم أخت النون في العربية وكثيرا ما تتبادلان، مثل عنبر تنطق عمبر. ومن أمثلة الكلمات التي جاءت في اللغتين معا من غير ما تحريف: أنف، عنب، بلال، صعصعة، نسر، شمس، إلى غيرها من الكلمات التي لا تختلف شيئا في اللغتين.
إذا أضفنا هذا إلى ما يراه المحققون من أن مهد العنصر السامي جزيرة العرب، تبين لنا جليا صدق ما ذهبنا إليه من أن هذه اللغة هي العمود الذي انشعبت منه سائر اللغات السامية، أو لا أقل من أن العربية أقرب أخواتها كلها إلى الأصل الأول المندثر على تقدير وجوده. والعلماء يعللون ذلك بكون العربية عاشت في معظم عصورها مبتدية، والبداوة حرز حريز لما تحوطه بعنايتها وتربيه في حجرها من اللغات؛ إذ اللغة تتلون بتلون العمران، وتصطبغ بصبغة الحضارة التي تعيش في أكنافها، وأين العمران والحضارة من المهامه الفيح والصحارى التي تحار فيها الريح؟ (2) تطورها
ليس معنى كون العربية أصلا أو قريبة من الأصل أن هذه اللغة المضرية اليعربية التي تحوكها أقلامنا وتلوكها أفواهنا هي لغة تلك الأم القديمة على ما كانت عليه في مجد حياتها، حفظتها لنا القرون الخالية فأدتها إلينا مصونة من التحوير والتغيير؛ لا وإنما المقصود أن الشعب العربي الذي ما زال ولم يزل يحتفظ بجزيرته، مهد العنصر السامي، احتفظ بأم لغات هذا العنصر، وأن الأم تطورت من حال إلى حال، وتعهدتها الأجيال بالصقال، ولم تزل تتنازعها عوامل البسط والقبض والرفع والخفض إلى أن تناولتها يد النهضة الإسلامية فجمعت شملها، ولمت شعثها، وزادت في ثرائها، وبالغت في نمائها، ثم وطدت قواعدها، وضبطت أصولها وفروعها، وأحاطتها بعظيم رعايتها، وشملتها بجليل حمايتها، إلى أن بلغت ما بلغت من البسطة في السلطان والكثرة في الأعوان، واتسع صدرها للعلوم المختلفة من بين شرعية، ولسانية، وفلسفية وغيرها، وبلغت يومذاك شأوا قصيا لم تصل إليه لغة من لغات العالم التي كانت تعاصرها.
فإذا أنت ألقيت نظرة إليها وهي زاخرة بالعلوم والفنون في العصر العباسي، تجدها أوسع رقعة منها في العصر الأموي. وهي في العصر الأموي وصدر الإسلام أفسح مجالا منها في الجاهلية يوم كانت منعزلة في زوايا الجزيرة. وقس على ذلك حالها في الجاهلية الآخرة بالنسبة إلى حالها في الجاهلية الأولى.
وبالجملة فإن اللغة تنبسط بانبساط أهلها في الحضارة والعمران، وتنقبض بانقباضهم، وترتقي بارتقائهم، وتنخفض بانخفاضهم، وهي بعد كائن حي معروض لعوامل التركيب والتحليل والتجدد والاندثار وسائر العوامل التي تخضع لها الأحياء من هذا القبيل.
अज्ञात पृष्ठ