तारीख़ इल्म-ए-अदब
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
शैलियों
ثم إن تقسيم الشعر عند الإفرنج إلى أود وبالاد وإيليجي ... إلخ، هو تقسيم باعتبار الشكل الخارجي؛ أي باعتبار قوالب الألفاظ وبحور العروض والأدوار ... إلخ. وأما باعتبار المعنى، فيقسم إلى ثلاثة أقسام غرامي وحماسي ودرامي؛ فالغرامي؛ ويسمى الموسيقي أيضا؛ لأن الأصل فيه الإنشاد على نغمات الأوتار؛ هو كل شعر أعرب عن الحواس الشخصية، فمؤلفه يبين فيه إحساسه وعواطفه وحبه وبغضه وشقاءه وسعادته، فإذا جرى التوقيع به على آلات الطرب كان أشد وقعا وتأثيرا على النفوس، والشعر الحماسي هو ما وصف به شجاعة الشجعان، وذبهم عن الحريم والأوطان وفيه أحاديث الشهامة والغيرة والحمية فهو بهذه الصفة تاريخي، والدرام هو ما صور فيه الحياة الإنسانية وتقدم تفصيل الكلام عليه.
فالأود والبالاد والأيليجي ... إلخ يقابلها في العربية المدح، والغزل والرثاء ... إلخ غير أن هذه الأقسام في العربية من الأقسام المعنوية، وأما عند الفرنساويين فهي من الأقسام اللفظية التي لكل منها عروض مخصوص وشكل معروف. ومن هذه الأقسام اللفظية أيضا الشعر الفاجع؛ وهو ما صور فيه الشاعر حادثة مهمة من شأنها تهييج العواطف، وتحريك الغضب واستجلاب الشفقة والرحمة، وتنتهي الرواية الفاجعة في الغالب بمصيبة. فروايات المتقدمين التي على هذا الطراز تسمى تراجيديا، وروايات أصحاب الطريقة الرومانية التي على أسلوبها تسمى درام.
وأما الكوميديا فهي مصورة لأخلاق الهيئة الاجتماعية بمساويهم ومعايبهم بصورة هزلية مضحكة، كروايات مولير ومنها رواية تارتوف وهي مترجمة للتركية، ومنشورة في مطبعة أبو الضياء، وأشعار الهجاء عند الإفرنج تشتمل على الهجو والذم والانتقاد والتعريض والاستهزاء ، وخلط الجد بالهزل ونحو ذلك.
ومن أنواع الشعر عندهم أيضا الشعر البدوي المصور لأخلاق البدو والرعاة، وهم في البادية والجبال، ولقد أحسن لبيد بن ربيعة العامري في تصوير أخلاق البادية والمعيشة البدوية قبل الإسلام، وديوانه مطبوع في فينا عاصمة النمسا.
ومن الشعر ما تقص فيه الحكايات، وتضرب الأمثال على ألسنة الحيوانات كحكايات لافونتين، ومنه أيضا الشعر الذي على نهج الرسائل والمكاتيب ... وله أمثال عند العرب، ومن شعراء دمشق المتأخرين من نظم حجة شرعية بجميع ما يلزمها من القيود والشروط.
وجل مهارة فيكتور هوكو في الشعر الغرامي أو الموسيقي المعرب عن الإحساس الشخصي، ولشعره نغمة مطربة وقواف عامرة، وألحان تحن لها القلوب وترتاح لسماعها النفوس، وهو الذي أوجد عند الفرنساويين الهجو الموسيقي في المنظومات التي هجا بها نابوليون الثالث، ولم تزل هذه الأنغام والقوافي والألحان هي الباعثة على رواج أشعاره وإقبال الجمهور عليها.
وكما أن فيكتور هوكو غير أفاعيل الشعر وتفاعيله، وأصلح عروضه على المثال المشار إليه آنفا، أصلح كذلك ألفاظ الشعر ومعانيه، وأبطل جميع اصطلاحات الأدباء؛ أي الأساليب والتعبيرات المصطلح عليها بينهم، والتي لا يفهمها إلا أهل الغوص على المعاني وهم خواص الناس، وقال بأن جميع الألفاظ سواء، لا فرق فيها بين اللفظ الذي وقع اختيار الآدباء عليه، وبين اللفظ الذي رفضوه وقالوا عنه: سوقي مبتذل، وجوز للكتبة والشعراء الأخذ بكل واحد من نوعي الألفاظ المختارة والسوقية، واستعمالهما بلا فرق في النظم والنثر
25
على شرط توافقهما لقواعد النحو والصرف. وأبطل أيضا ما كان يستعمله الأدباء في كلامهم من المقدمات والدوارات، التي من شأنها تغطية المعنى، والتثقيل عليه وكذا التعبيرات العمومية والإجمالية التي يتلاشى بها المعنى، ويستبهم كما يفعل أدباء العرب في خطبة الكتاب المصنف وفي مقدمته، ولم يرض من جميع ذلك إلا بالتعبير الأصلي، والمعنى الحقيقي الدال على خصوصية الموضوع؛ لأن الغرض من تأليف الكلمات وتصنيف الكلام إنما هو تشخيص الموضوع وبيان مزيته وغرابته، فلا حاجة للاستعارة ولا للمعنى المجازي، ويقوم مقام الاستعارة التشبيه، أو التخيل الذي هو نوع من الإحساس لا التشبيه والتخييل المستفاد من طرز الكتابة، فالواجب على الكاتب أن لا يشغل نفسه بالاستعارات وأنواع البديع، وأن لا يتصنع ولا يتعمل في الكلام، بل ينبغي له أن يهتم ببيان الموضوع الذي هو فيه، وإيضاحه ووصفه بالأوصاف السديدة المظهرة له ظهور الشمس في رابعة النهار، ويوضح انفعالاته النفيسة في ذاك الموضوع؛ ليكون أشد تأثيرا على السامع، فتأثير الكلام يكون من جهة الانفعال النفسي والتصوير الطبيعي لا من جهة الاستعارات.
غير أن فيكتور هوكو وأهل طريقته لم يمنعوا أنفسهم من استعمال الاستعارات المدرسية، والتعبيرات المصنعة لرسوخ ملكتهم فيها، ومن الاستعارات التي وردت لفيكتور هوكو على الطراز القديم قوله: «نجوم المركبة»، ويريد المصابيح التي تنار بها المركبات ليلا وتظهر عن بعد كالنجوم.
अज्ञात पृष्ठ