तारीख़ इल्म-ए-अदब
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
शैलियों
63
والذي تتطلبه النساء قبل كل شيء هو الشهوة، والذي يتطلبه الخواص على الخصوص هو الأخلاق، فإذا أمعنا النظر في هذه الأصناف الثلاثة من المتفرجين نجد العوام هائمين بالعمل لدرجة يتساهلون فيها عند اللزوم بالأخلاق وبالشهوات، ونجد النساء مكترثات بالعمل أيضا، ولكنهن مستغرقات بتفاصيل الشهوة حتى يقل انشغالهن جدا بتصوير الأخلاق، ونجد الخواص يتلذذون بمشاهدة الأخلاق؛ أي بمشاهدة الرجال أحياء على المراسح، ويتلقون الشهوة كأنها عارض طبيعي في التأليف الدراماتيقي، ويحصل لهم انزعاج من العمل، والسبب في ذلك أن العوام إنما يتطلبون في حضورهم المراسح الهيجان، والنساء يتطلبن الخلجان، والخواص يتطلبون التفكر، والجميع يبغي لذة ولكن أولئك يبغون لذة النظر، وهؤلاء يردن لذة القلب، والآخرون يبغون لذة العقل، ومن ثم حصل في روايتنا - أي روايات فيكتور هوكو - ثلاثة أنواع مختلفة من التأليف، أحدها عامي سافل، والآخران رفيعان عاليان، ولكن في ثلاثتهم الكفاية لسد الاحتياج. فالعوام لهم الميلودرام (أي: ما كان فيه انتقام وقتل وإذلال وفضيحة)، والنساء لهم التراجيديا التي تشرح الشهوة، والخواص لهم الكوميديا التي تصور الأخلاق الإنسانية.
ربما يتداخل بعض هذه الثلاثة في بعض؛ لأن العوام ربما وجد فيهم من له شوق طبيعي لتطلب الجمال كما له ذوق في الأشياء التافهة، ومن له هيام في التصورات والتخيلات البديعة، كما له إقبال على الأشياء العادية المزدرى بها، وكل واحد من خواص الأدباء البالغين في الأدب رتبة الكمال ينبغي أن يتصف بصفة المرأة من جهة الإحساس القلبي، كما أن المرأة تتصف أحيانا بصفة خواص الأدباء المفكرين.
فإذا أمعنا النظر في أصناف المتفرجين الثلاثة نراهم جميعا محقين، فإن النساء معهم حق في ابتغائهم خلجان القلب، والخواص معهم حق في ابتغائهم التعلم والاستفادة، والعوام لا لوم عليهم في طلبهم التسلي، فمن هذا الشرح ينتج قانون الدرام.
فالقصد من الدرام والغاية منه هو تصوير الأخلاق؛ أي اختلاق رجال وتمثيلهم على المرسح بمقتضى الشروط المؤلفة من صناعة الأدب ومن الطبيعة، وإلقاء الشهوات في هؤلاء الرجال لبيان أخلاقهم وإيضاحها، ثم استخراج الحياة الإنسانية من تصادم هذه الأخلاق والشهوات بالنواميس الكبرى الإلهية؛ أي استخراج وقائع كبيرة، صغيرة، مؤلمة، مضحكة، هائلة، تشتمل على لذة للقلب يسميها الناس المنفعة، وعلى عبرة للعقل يسميها الناس محاسن الأخلاق، فيتضح من ذلك أن الدرام يخرج من التراجيديا بتصوير الشهوات، ومن الكوميديا بتصوير الأخلاق والصفات، فالدرام هو الشكل الثالث الكبير من أشكال الصناعة الأدبية، ويشتمل على الاثنين الأولين ويجمعهما ويفصلهما. فلو لم يوجد شكسبير بين قورنيل ومولير، ولم يعط يده اليسرى لقورنيل، ويده اليمنى لمولير لبقي كل منهما بعيدا عن الآخر، ولكن بوجوده التقت الكوميديا بالتراجيديا التقاء القطب المثبت بالقطب المنفي من الكهربائية، فحصل من التقائهما شرارة هي الدرام.
ثم انتقل فيكتور هوكو لبيان حقيقة الدرام بالنظر لفلسفة التاريخ، فقال:
إذا اقتربت مملكة من السقوط تمكن الناظر فيها من ملاحظة علائم كثيرة، ففي بادئ الأمر تميل الأشراف للانحلال، وبانحلالها تنقسم على الوجه الآتي: تضطرب المملكة وتنطفي السلالة المالكة، وتزول أحكام القانون، وتتجاذب الدسائس الوحدة السياسية فتمزقها شذر مذر، وتخمد كبار العائلات وتنقرض، ويشعر الجميع في الداخل والخارج بضعف مميت، وتسقط عظائم الأمور التي تقوم عليها الدولة ولا تبقى واقفة إلا على صغائر الأمور وحدها، ويصبح منظرها العمومي محزنا، ولا يبقى فيها لا ضابطة ولا عسكر ولا مالية، وكل واحد يحسب الساعة آتية لا ريب فيها، فمن ذلك يحدث في جميع الأذهان كدر من البارح وخوف من الغد، واحتراس من كل إنسان ويأس من كل شيء ونفرة زائدة، وحيث إن مرض الدولة في رأسها؛ فأعيان المملكة الذين هم أقرب إلى الرأس يكونون أول المصابين بهذا المرض، فماذا يحدث حينئذ؟ لا يبقى في قصر الملك من الأعيان المقربين إلا الذين هم أقل حياء وأسوأ أخلاقا، وجميعهم على وشك الانقراض، ويضيق الزمان وتنبغي العجلة ويلزم لهم الاستهلاك في جميع المال، والارتقاء لأعلى المراتب والاستفادة من الحال الحاضرة، ولا يفتكر الواحد منهم إلا بنفسه، ويجمع بلا شفقة على الوطن ثروة قليلة خاصة به في قرنة من الفقر العام الكبير، ويصير نديما ويصير وزيرا، ويتهالك على الوصول للسعادة وإنفاذ الكلمة، وينفتق ذهنه باستحضار الأجوبة الظريفة، وينافق ويداهن ويلاطف فينجح، وكلهم يستحوذون على مقامات الدولة ومناصبها، وعلى وساماتها ورتبها وألقابها وأموالها، ويأخذون الجميع، ويتطلبون الجميع، وينهبون الجميع، ولا يعيش الواحد منهم إلا بالحرص والطمع، ويخفون قلاقل المملكة واغتشاشاتها وسوء إدارتها الداخلية تحت مهابة ظاهرية، وتشره نفوسهم للعجب، وتتطاول أعناقهم للعظمة والكبرياء ، وحيث كان الشرط الأول في حياة هؤلاء المقربين هو نسيان جميع الحواس الطبيعية، فيصبح الواحد منهم كأنه وحش مفترس، ومتى جاء يوم سقوطه وإبعاده عن مناصب الدولة صار مدهشا عجيبا وانقلب إبليس.
فإذا يئست الدولة من حالتها أبعدت عن مراكزها النصف الثاني من أعيان المملكة، الذين هم أكرم نسبا وأحسن جرثومة، فيلتزمون بيوتهم ويدخلون قصورهم، ويذهبون لبلادهم ومعاقلهم ومصائفهم، وينفرون من مصالح الدولة، ولا يستطيعون تدبير أمر ولا بيدهم حيلة؛ لأن المملكة قد حان موتها ولم يبق في الأيام إلا ذماء، (الذماء بقية الروح في المذبوح) كيف العمل وماذا يجدي التحسر وما ينفع البكاء؟ فينبغي التغافل وإغماض العين، وتسلية النفس بالملاهي واللعب والأكل والشرب والتلذذ والتنعم، من يعلم؟ هل بقي للواحد منهم سنة أو سنتان أمامه؟ فإذا تفوه سادة المملكة وكبراؤها بذلك أو شعروا به، وأحسوا بشيء منه فقط أقبلوا على التهور في مصالحهم، والإفراط في أمورهم، فزادوا في مشترياتهم وفي حلي نسائهم وفي ضيافاتهم، وإتقان مطابخهم وموائدهم، وأسرفوا وبذروا وأهدوا وفرقوا وباعوا، واشتروا ورهنوا واستدانوا وسلموا أنفسهم لآكلي الربا، وأتلفوا مداخيلهم وأضرموا النار في الجوانب الأربعة من أملاكهم، فيصبح الواحد منهم يوما وقد حلت به المصيبة، ونزل عليه البلاء، وخرب هو قبل خراب المملكة رغما عن سرعة سيرها نحو الانقراض، فينفذ ماله ويحترق كله ولا يبقى من تلك الحياة الزاهرة والطهي والبهرجة، ولا الدخان لأنه طار أيضا، ولم يبق إلا الرماد ولا أكثر من ذلك، فيتركه جميع الناس وينسونه إلا أصحاب الديون، فتصير حالة هذا الشريف المسكين إلى ما يمكن أن تصير إليه، فيصبح بائسا سفيلا من الرعاع ويدور مع الهمل، ويختلط بجمهور العامة ويغيب بين أفواجهم المزدحمة.
ولم يكن خالط العوام قبل ذلك ولا رآهم إلا على أبوابه وأعتابه، فيغطس الآن بينهم ويلتجئ إليهم، ولم يبق معه نضار وإنما بقيت له «الشمس» أي نضارة الحياة وهي ثروة من لا ثروة له، وبعد أن أقام في أعلى طبقات الجمعية، فهو الآن يقيم في أسفل طبقاتها، ويدرب نفسه على الذل بعد العز، ويهزأ بالذين اشتد بهم الحرص والطمع حتى نافقوا وتقربوا من أولي الأمر، وصاروا من الأغنياء النافذي الكلمة، وأما هو فيصير فيلسوفا لا يبالي بالإقبال والإدبار، ويشبه من حوله من رعاع الناس وأوباشهم بحاشية القصر ورجال المعية، ويتخذ منهم جماعة وأخدانا ويترأس عليهم ويراعي النخوة والشهامة في جانبهم، وعدا هذا فهو طيب العنصر جسور القلب مفطور على النجابة والفطنة جمع في أخلاقه وخصاله بين ذوق الأديب الشاعر، ودناءة الصعلوك الفقير، وشهامة الرئيس الأمير، لا يبالي بأمر ويسخر من كل شيء ويشوق رفاقه وأصحابه للسرقة، كما كان يبعث برجاله وأتباعه للنهب والغارة؛ ولكنه لا يتنزل لأن يسرق أو يستعطي بنفسه، تراه رث الظاهر سليم الباطن ذا كرم وسخاء كالأمير، وتهور كتهور اليائس الفقير، لم يبق له من الأصالة إلا شرف النسب الذي يحافظ عليه، والاسم الذي يخفيه والسيف الذي يشهره.
فهاتان الصورتان اللتان رسمناهما ووصفنا بهما قسم المقربين وقسم المبعدين من أشراف المملكة يوجدان في وقت من الأوقات في تاريخ جميع الممالك، ولكنهما في أواخر القرن السابع عشر للميلاد وجدتا في إسبانيا بصورة جالبة للنظر؛ ولذا شخصنا في هذه الرواية التمثيلية القسم الأول من كبراء إسبانيا في الدون سالوست المقرب من قصر الملك والمنعم عليه، والقسم الثاني في الدون قيصر (سيزار) الذي يرعى مع الهمل مع أن كلا منهما ابن عم للآخر، وعدا هذين الشخصين الذين يتمثل فيهما كبراء المملكة الإسبانية المقربين والمبعدين يوجد تحتهما شيء كبير مظلم مجهول يتموج في جنح الظلام، فهذا الشيء هو الشعب الذي له المستقبل وليس له الحاضر. فالشعب يتيم فقير ولكنه ذو قوة واستعداد وقابلية، يتطلب العلى وهو في الدرك الأسفل، وعلى ظهره علامة الخدمة والاستعباد، وفي قلبه شوق للمعالي، الشعب خادم للسادة الكبراء، وعاشق وهو في الذل والشقاء للصورة الوحيدة التي تتلألأ له وسط هذه الجمعية المنقرضة، كأنها نور إلهي ويتمثل له فيها الحاكمية والشفقة والنمو، فالشعب هو «روى بلاس» خادم الدون سالوست.
अज्ञात पृष्ठ