13
والظاهر أنه أمر على تلك الحامية قطبة بن قتادة؛ لأن قطبة كتب بعد موت أبي بكر إلى عمر بن الخطاب يعلمه مكانه، ويقول له: لو كان معه عدد كاف لظفر بمن كان قبله من الفرس فنفاهم عن بلادهم. فكتب إليه عمر يأمره بالمقام والحذر، ووجه إليه شريح بن عامر أحد بني سعد بن بكر، فلما وصل شريح ترك قطبة في موضعه، ومضى إلى الأهواز لغزو الفرس فقتلوه، وظل قطبة يغير على تلك الجهات إلى أن أرسل عمر سعد بن أبي وقاص قائدا عاما على الجيش الإسلامي، فأرسل سعد بعد وقعة القادسية الشهيرة التي مزقت الفرس في محرم سنة 14ه عتبة بن غزوان المازني إلى جهة موضع البصرة بأمر الخليفة الثاني عمر،
14
فلما وصل عتبة بمن معه نزل حيال الجسر الصغير، فبلغ صاحب الفرات قدومه، فأقبل لقتاله بجموعه. فتزاحف الفريقان وحدثت بينهما معركة عنيفة انجلت عن انكسار الفرس، ووقوع قائدهم أسيرا بيد عتبة. (5) فتح الأبلة
بعد أن هزم عتبة حامية الفرس مرارا في تلك الجهات، واستولى على عدة حصون أو مخافر كانت تقيم فيها جنود فارسية لمنع غارات العرب منها المسلحة التي سموها بعد خرابها الخريبة؛ اجتمع أهل الأبلة وخرجوا لقتاله، فقاتلهم فانتصر عليهم وهزمهم حتى دخلوا المدينة في رعب شديد، ثم رجع إلى معسكره وترك في قلوب من في الأبلة خوفا اضطرهم إلى إخلاء المدينة، فحملوا ما خف وعبروا الماء، فبلغ ذلك عتبة فأسرع إليها ودخلها، وغنم المسلمون أموالا وسلاحا وسبيا، وذلك في رجب سنة 14ه. (6) تأسيس البصرة القديمة
على إثر فتح الأبلة نزل عتبة بجيشه على طرف البر إلى جانب مسلحة الفرس التي خربت في تلك الأثناء فسموها الخريبة، واتخذ المكان معسكرا؛ لأنه لا يحول الماء بينه وبين مكة؛ إذ كان من ذلك الموضع على الضفة الغربية للفرات إلى مكة رمال وجبال وسهول لا يفصل بينهما نهر، ثم كتب إلى الخليفة الثاني في موسم الشتاء يستأذنه بالبناء فأذن له، فبنى مسجدا ودارا للإمارة من القصب في الرحبة التي سميت رحبة بني هاشم، وذلك في سنة 14ه/636م فبنى الناس بيوتهم من القصب، وقد بنيت على بعد أربعة فراسخ من مدينة الأبلة قرب الخليج الفارسي في منتهى العراق عند موقع الزبير.
وعلى إثر ذلك اجتمع أهل ميشان، وخرجوا لقتال المسلمين، فخرج إليهم عتبة فهزمهم، وأخذ مرزبان ميشان أسيرا.
وبعد قليل استعمل عتبة على جيشه مجاشع بن مسعود، وسيره إلى الفرات، واستخلف على المدينة المغيرة بن شعبة إلى أن يعود مجاشع فإذا قدم فهو الأمير، وسار عتبة إلى يثرب عاصمة المسلمين لملاقاة الخليفة عمر بن الخطاب. فانتصر مجاشع بن مسعود على أهل الفرات. أما المغيرة بن شعبة فإنه بلغه أن الفرس القريبين منه اجتمعوا لقتاله، فخرج إليهم بمن معه فلقيهم بالمرغاب، وانتصر عليهم، وكتب بذلك إلى الخليفة. فلما وصل كتابه إلى الخليفة قال لعتبة: «من استعملت على البصرة؟» فقال: «مجاشع بن مسعود»، قال: «أتستعمل رجلا من أهل الوبر على أهل المدر؟» وأخبره بما كان من أمر المغيرة، وأمره بالرجوع إلى عمله، وأوصاه بوصايا هامة، فمات عتبة في الطريق في سنة 14ه.
ولما بلغ الخليفة الثاني موت عتبة ولى على البصرة المغيرة بن شعبة، وذلك في سنة 14ه، ثم عزله في سنة 16ه وولى عليها أبا موسى الأشعري.
15
अज्ञात पृष्ठ