8
وانضموا إلى إبراهيم باشا، ثم توجهوا مع يحيى أغا إلى الأستانة، فأطمعوه بولاية البصرة، فاتفق معهم وغدر بصاحبه وحميه حتى إذا ما وصلوا الأستانة شكى جميعهم إلى السلطان ظلم حسين باشا واستبداده، واتفق في تلك الأثناء وصول كتاب من وجهاء البصرة إلى السلطان مع جماعة منهم يشكون فيه أعمال حسين باشا وحكمه القاسي وأخذ الأموال بالباطل؛ إذ اغتصب أموال التجار والأعيان، وفتك بكثيرين منهم بعد مصالحته مع إبراهيم باشا والي بغداد، فاجتمع الوجوه سرا، وكتبوا كتابا إلى السلطان شكوا فيه ما يقاسونه من الظلم والعسف والاستبداد، وأرسلوه مع جماعة منهم إلى العاصمة ليقدموه إلى السلطان.
فلما كثرت الشكوى على حسين باشا عند السلطان أصدر أمره بطرده من البصرة طردا نهائيا، وبتوجيه إمارتها إلى يحيى أغا، ووجه إليه رتبة الوزارة، فدعي يحيى باشا، وأودعت قيادة الحملة إلى الوزير إبراهيم باشا والي بغداد، ويروى أن قيادة هذه الحملة كانت قد أودعت إلى الوزير قره مصطفى باشا بأمر من السلطان محمد الرابع في سنة 1078ه، فاجتمع الجيش العثماني ببغداد، وانضمت إليه جيوش الرقة والموصل وشهرزور وغيرها حتى بلغ عدد الجيش على ما قيل خمسين ألف مقاتل.
واتصل خبر هذه الحملة الكبيرة بحسين باشا، فاستعد للحرب، وصادر أموال التجار والمثرين، وأرسل أمواله وعياله إلى بلاد إيران، وظل يجمع الجموع حتى بلغ عدد جيشه خمسة عشر ألف مقاتل، فتوجه به نحو القورنة، فأصدر أمره بإخلاء البصرة، فأخلوها في ثلاثة أيام، وخرج أهلها من ديارهم في أسوأ حال، ثم أمره أهل القرى التابعة للبصرة بالجلاء عن ديارهم فتركوها بعد أن نهب رجاله أكثر أموالهم وقتلوا وعذبوا من خالف الأمر، وكان الموظفون على تخلية تلك الديار أعوان هذا الأمير القاسي الحكم منهم أحد مماليكه علي بن أحمد بن شاطر وحسن بن طهماز وغيرهما.
والتقى جيش السلطان بجيش حسين باشا بالقرب من القرنة، وبعد معارك دامت أياما انكسرت جيوش حسين باشا، فاضطر إلى أن يتحصن في قلاع القورنة، فانهزمت عساكره ثانية، واستولى الجيش التركي على قلاع القورنة، فأعمل السيف في أهلها، وقد قتل في هذه المعركة الأخيرة نحو الأربعة آلاف من الأعراب، فانهزم حسين باشا بحاشيته إلى بلاد إيران قاصدا شيراز، فدخل الجيش العثماني ظافرا، وذلك في سنة 1078ه،
9
وانتهى أمر استقلال الأمراء بالبصرة. (4-2) ولاة البصرة الأتراك
دخل الجيش العثماني البصرة، فتولى ولايتها يحيى باشا، ورتب جيشا لحماية المدينة، ونظم شئونها، ولكنه بعد أن عادت الجيوش إلى أماكنها، وقوي أمره، تغيرت سيرته، فرفض قبول الدفتري - الدفتردار - التركي، وامتنع عن أداء نفقات الجيش، ثم طرد الدفتري وأمراء الجيش، وطلب أن ينفرد بالحكم على أن يؤدي في كل عام مائتي كيس من النقود إلى خزينة الدولة، واستمر على عتوه منفردا بالحكم حتى حدثت بينه وبين الانكشارية الذين في القورنة فتنة بسبب تأخير مرتباتهم، فأرسل لقتالهم فرسانا من القبائل العربية التي تحت حكمه، فقتلوهم، ونجا منهم من فر، فبلغ ذلك السلطان، فأصدر أمره بعزله وبتوجيه ولاية البصرة إلى قره مصطفى باشا المعروف بقبوجي باشي، وذلك في سنة 1080ه.
فسار الأمير الجديد بجيش من الأتراك، فاستلم البصرة، وبقي على إمارتها إلى سنة 1083ه، فأبدل بمحافظ بغداد حسن باشا، ثم عزل، وتولى مكانه السلاحدار حسين باشا في سنة 1085ه، فظل على ولاية البصرة إلى أن نقل في سنة 1088ه إلى ولاية ديار بكر، فأعيد على البصرة حسن باشا، ثم طلبه السلطان في سنة 1092ه، وأرجع على ولاية البصرة السلاحدار حسين باشا، ثم عزل في سنة 1094ه ووجهت ولاية البصرة إلى الوزير عبد الرحمن باشا.
وكان هذا الوزير من خيرة الولاة عالما فاضلا حسن السيرة والتدبير محبا للعلم والعلماء؛ فجدد بناء المساجد، وأحيا بعض المدارس، وأسس المدرسة المعروفة بالرحمانية - نسبة إليه - وخفف عن الأهلين بعض الضرائب، ومن أجل ذلك أحبه البصريون حبا جما، ولكنه عزل في سنة 1098ه، وتولى بدله حسين باشا الكمركجي فأساء السيرة وظلم الأهلين، فعزله السلطان في سنة 1099ه، وأعاد الوزير عبد الرحمن ففرح البصريون بعودته، فلم يدم فرحهم إلا قليلا؛ لأن السلطان عزله في سنة 1100ه وولى على البصرة دفتريها السابق حسين باشا، ومنح له لقب الوزير أيضا، فثار في أيامه - سنة 1102ه - الشيخ مانع أمير المنتفك، وخرج على الدولة، فحدثت بينه وبين حسين باشا هذا عدة معارك انجلت عن انكسار حسين باشا شر كسرة؛ لعدم نصرة والي بغداد له، وكانت النتيجة أن قوي أمر مانع، فاستولى بعد انتصاره بقليل على جصان وبدره ومندلي، وعلى أثر ذلك عزل السلطان حسين باشا عن البصرة، وأرسل بدله الوزير أحمد باشا ابن عثمان باشا. (4-3) هجمات المنتفكيين على البصرة
अज्ञात पृष्ठ