ولم تمض أشهر قليلة حتى حدث خلاف بين بجكم وبين أمير الأمراء ببغداد ابن رائق، فسار بجكم بجيشه إلى بغداد في سنة 326ه فتغلب على ابن رائق، فقلده الخليفة إمارة الأمراء، وعلى أثر ذلك وجهت إمارة البصرة إلى ابن البريدي - ثانية - في سنة 327ه - ويروى: في سنة 328ه - وضمن رسومها وضرائبها وأعشارها.
ولما مات الراضي بالله طمع ابن البريدي ببغداد، فسير في سنة 329ه جيشا من البصرة لقتال بجكم، فجهز له بجكم جيشا سيره بقيادة توزون التركي، فالتقى الجيشان، فاندحر جيش بجكم أولا ثم انتصر، وفي أثناء ذلك مات بجكم قتيلا بطعنة غلام كردي طعنه حينما حمل على الأكراد طمعا في أموالهم.
وفي أيام إمارة ابن البريدي على البصرة حمل يوسف بن وجيه حاكم عمان على البصرة في سنة 332ه في سفن كثيرة مشحونة بالرجال، فاستولى على الأبلة، ثم تقدم نحو البصرة، فخرج ابن البريدي لقتاله، ولكنه لما علم بكثرة جيوش حاكم عمان عمد إلى الحيلة، فتظاهر بالتقهقر خدعة، فلما جن الليل هجم بجيشه فأحرق سفن يوسف، وصافح جيشه بالسيف فقتل أكثرهم، ونهب أموالهم وذخائرهم، فانهزم يوسف بالفشل والخسران. وفي السنة نفسها - 332ه - زحف معز الدولة ابن بويه بعساكره إلى البصرة، فحدثت بينه وبين ابن البريدي عدة وقائع اندحر في آخرها ابن البريدي، وتحصن بالمدينة، فحاصره معز الدولة أكثر من شهر ، ثم ترك الحصار وعاد إلى مقره.
وبقي ابن البريدي مستقلا بإمارة البصرة إلى أن توفي فيها في سنة 334ه، فتولى مكانه ابنه أبو القاسم ابن أبي عبد الله محمد بن البريدي، فأرسل إليه الخليفة منشور الإمارة على جري العادة في ذلك العهد. (ه) استيلاء معز الدولة البويهي على البصرة أو «البصرة في عهد بني بويه»
لما استولى معز الدولة أحمد بن أبي شجاع بويه على بغداد، وأسس الدولة البويهية فيها في سنة 334ه استأمن إليه أبو القاسم بن البريدي، وضمن له واسط والبصرة وأعمالهما، وعقد له في السنة نفسها، ثم حدث بينهما خلاف في سنة 335ه فامتنع أبو القاسم عن تسليم المال المقرر إرساله إلى بغداد، فجهز معز الدولة جيشا لطرده من البصرة، فالتقى جيشه بجيش ابن البريدي في واسط، فاستمرت الحرب بين الطرفين خمسة أيام، فاندحر جيش ابن البريدي، وقتل في هذه الحرب من وجهاء البصرة وأعيانها الذين كانوا أنصارا لابن البريدي سبعون رجلا.
فلما بلغ ابن البريدي خبر هزيمة جيشه جهز جيشا جديدا، فعلم بذلك معز الدولة، فجهز جيشا كبيرا قاده بنفسه، وأخذ معه الخليفة المطيع لله، وتوجه نحو البصرة في سنة 336ه، فلما اقترب معز الدولة إلى محل يسمى الدرهمية، وسمع جيش ابن البريدي بقدوم الخليفة معه، استعظموا ذلك فاستأمنوا إلى معز الدولة، وانحازوا إليه، فخاف ابن البريدي، فانهزم إلى هجر ملتجئا بالقرامطة، فدخل معز الدولة والخليفة البصرة باحتفال عظيم، وبعد أن نظم معز الدولة شئون البصرة ولى عليها وزيره أبا محمد الحسن بن محمد المهلبي، وذلك في سنة 337ه، وعاد إلى بغداد ومعه الخليفة المطيع.
وفي أيام إمارة الوزير ابن المهلبي على البصرة ثار أمير البطيحة عمران بن شاهين على معز الدولة، فقطع طريق البصرة في سنة 338ه، فقاتله ابن المهلبي ولكنه لم يظفر به، وحمل في سنة 341ه على البصرة - ثانية - حاكم عمان يوسف بن وجيه، وكان القرامطة قد ثاروا يومئذ على معز الدولة، فكتب إليهم يوسف يطمعهم في البصرة، وطلب منهم أن ينجدوه بجيش بري، فأمدوه فحاصر البصرة نهرا وبرا، ودام الحصار نحو شهر، فقاتله ابن المهلبي حتى جاءته النجدات من معز الدولة من بغداد، فانتصر على يوسف انتصارا نهائيا، وأغرق سفنه، ونهب أمواله وذخائره، فانهزم يوسف بالخذلان والخسران. (و) إمارة حبشي على البصرة وعصيانه
دخلت سنة 347ه فوجهت إمارة البصرة إلى حبشي بن معز الدولة، فاستقام أمره فيها حتى مات أبوه معز الدولة ببغداد في سنة 356ه، وتولى بعده ابنه بختيار الملقب «عز الدولة»، فحدثت بين الأخوين وحشة في سنة 357ه، فعصى حبشي بالبصرة وخرج على أخيه، فأرسل عز الدولة في السنة نفسها جيشا بقيادة أبي الفضل العباس بن الحسين لقتال حبشي وطرده من البصرة، وبعد حروب دامت أياما انتصر أبو الفضل فدخل البصرة منصورا، وأسر حبشي، وأرسله مخفورا إلى بغداد فحبس بها، وصادر أمواله.
ومكث أبو الفضل أميرا على البصرة أشهرا، ثم ولى عليها عز الدولة ابنه المرزبان. (ي) إمارة المرزبان وعصيانه
تولى المرزبان إمارة البصرة بعد أبي الفضل، فحدثت في أيامه فتنة بين الديلم والأتراك في الأهواز أدت إلى حروب دموية بين الطرفين، فبلغ ذلك من في البصرة من الديلم فثاروا على الأتراك الذين فيها، ونادوا بإباحة دمائهم، فقتل من الأتراك عدد كثير، وذلك في سنة 363ه.
अज्ञात पृष्ठ