فلما قتل أعين أراد زياد قتال بني تميم، فأرسلت تميم إلى الأزد: «إنا لم نعرض لجاركم فما تريدون منا؟» فكرهت الأزد قتالهم وقالوا: «إن عرضوا لجارنا منعناه»، وكان زياد قد لجأ إلى الأزد فأجاروه وحموه، فكتب زياد إلى الإمام علي يخبره بقتل أعين وما جرى، فأرسل علي جارية بن قدامة السعدي التميمي، وبعث معه خمسين رجلا من تميم - ويروى خمسمائة - وكتب إلى زياد يأمره بمعونة جارية والإشارة عليه، فلما قدم جارية البصرة حذره زياد ما أصاب أعين، فأقام جارية في الأزد، وقرأ كتاب علي إلى أهل البصرة يوبخهم ويتهددهم ويتوعدهم بالمسير إليهم والإيقاع بهم. ثم سار جارية إلى قومه بني تميم، وقرأ عليهم كتاب علي، ووعدهم، فأجابه الأزد وكثير من تميم، فسار بمن تبعه لقتال ابن الحضرمي، فالتقيا بالقرب من قصر سنبل السعدي، وكان على خيل ابن الحضرمي عبد الله بن حازم السلمي فاقتتلوا ساعة فانهزم ابن الحضرمي، وتحصن بقصر سنبل،
30
فأحرق جارية القصر بمن فيه، فهلك ابن الحضرمي وسبعون رجلا معه، وعاد زياد إلى القصر، ورجع إلى عمله بعد أن تغلب عليه ابن الحضرمي، واضطره إلى الالتجاء بالأزد هربا منه
31
وعلى إثر ذلك عاد إلى البصرة عبد الله بن العباس.
فلما كانت سنة 40ه وشي أبو الأسود الدؤلي على عبد الله بن عباس، فأرسل الإمام علي إلى عبد الله يعاتبه ويحاسبه في الخراج، وكتب إلى أبي الأسود يأمره بمراقبة أمور البصرة، فاغتاظ ابن عباس، وكتب إلى الإمام علي: «ابعث إلى عملك من أحببت؛ فإني ظاعن عنه، والسلام»، واستدعى أخواله من بني هلال بن عامر، فاجتمعت معه قيس كلها، فسار من البصرة إلى مكة ، فضيع الإمام علي زعيما كبيرا يتبعه عدد كبير، كما ضيع أمثاله بتدقيقه الشديد في محاسبتهم، والمبالغة في المحافظة على الدين في الوقت الذي طمع فيه العمال في الأحكام، وفسدت نياتهم، واتخذ بعض أعدائه قتل عثمان ذريعة للوصول إلى عرش الخلافة، ومنهم معاوية الذي ابتاع الأحزاب بالمال، واجتذب كبار الرجال بالدهاء.
ولما استقال عبد الله بن عباس من إمارة البصرة ولى الإمام علي عليها حمران بن أبان، فبقي على عمله إلى أن قتل الإمام في الكوفة في 17 رمضان سنة 40ه/661م، وتولى الخلافة ابنه الحسن، فلما سلم الحسن لمعاوية الأمر، وتنازل له عن الخلافة في ربيع الأول سنة 41ه/661م بعد أن حكم ستة أشهر عصى حمران بالبصرة.
32 (8) البصرة في عهد الأمويين
لم استقل معاوية بن أبي سفيان بالخلافة، وتم له الأمر سنة 41ه، ووجه الولاة إلى الأمصار، وكان حمران بن أبان قد تغلب على البصرة؛ بعث معاوية بسر بن أرطأة بجيش، فانتزع بسر البصرة من حمران، وتولى إمارتها ستة أشهر ثم عزله معاوية في أواخر هذه السنة - سنة 41ه - وولى على البصرة عتبة بن أبي سفيان، وضم إليه خراسان وسجستان، ثم عزله في سنة 43ه، وأرسل بدله عبد الله بن عامر بن كريز - الذي كان أميرها في أيام عثمان - وضم إليه خراسان، وكان ابن عامر هذا كثير الحلم لينا؛ فطمع به أهل البصرة واستخفوا بالحكومة، وخالفوا أوامرها، فعزله معاوية في سنة 44ه/664م وبعث مكانه الحرث بن عبد الله الأزدي - ويروى: الحارث، وهو من أهل الشام. فلما وصل الحرث إلى البصرة ولى على شرطتها عبد الله بن عمرو الثقفي، واجتهد الحرث في إصلاح الأمور فعجز، وكثر النهب والسلب والقتل، وامتنع أكثر الناس عن تسليم الخراج، واستخفوا برجال الحكومة، فلم يبق لها غير، الاسم فعزله معاوية بعد أربعة أشهر، وولى إمارة البصرة زياد بن أبيه، وذلك في سنة 45ه.
33 (8-1) إمارة زياد على البصرة
अज्ञात पृष्ठ