============================================================
ذكر ذي القرنين لمن سبهم ويصلون آرحامهم ويؤدون آماناتهم ويحافظون على صلاتهم ويوفون بعهودهم ويصدقون في مواعدهم ولا يستنكفون على ضعفائهم فأصلح الله تعالى بذلك أمرهم وحفظهم في مخلفهم قال: فودعهم ودعا لهم بالبركة، وخرج من عندهم. وروي آنه ورد في مسيره بلدة فاستقبله أهلها كلهم ينظرون إليه إلا رجلا خياطا لم يبرح من مكانه ولم يلتفت إليه، فقال ذو القرنين: أيها الرجل قد استقبلني أهل هذه البلدة وإنك لم تلتفت إلي فما حملك على ذلك؟ قال الرجل: لأنه لا يعجبني ما أنت فيه ولم أطمع فيما لدنك، قال: ولم؟ قال الرجل لأني رأيت في هذه البلدة أميرا مات ومات في يومه معه عبد مملوك فقير فوضعا معا في غار وكذلك كانت عادتهم وجعل للملك أكفان نفيسة وللفقير أكفان خلق، ثم مررت بهما بعد زمان وقد رم عظامهما واختلط بعضها ببعض فلم أعرف عظام الملك من عظام الفقير فعلمت أته لا خير في تلك الدنيا فقال ذو القرنين: أنت أعقل هذه البلدة، فاستخلفه عليها فقال: لا أريد الإمارة، قال: فكن حاكما تحكم بينهم بالحق فتدفع ظلم بعضهم عن بعض ثم خرج من تلك الناحية وسار، ويروى آن ذا القرنين قصد الظلمة وكان سبب ذلك أنه سمع آن فيها عينا تسمى عين الحيوان ومن شرب منها عاش إلى نفخ الصور فدخل الظلمة لطلبها وكان معه الخضر وإلياس عليهما السلام يتقدمانه ويقال إن الخضر وإلياس كانا يدحرجان الخرزة بين آيديهما فيعلمان كيف يضعان أقدامهما وكان ذو القرنين يتبعهما ويقال إن العسكر كانوا يتبعونه ثم إن الخضر وإلياس كانا يعثران على عين الحيوان بأن سقطت خرزتهما في الماء فشربا منها وجلسا هنالك حتى وصل إليهما ذو القرنين فقال لهما: ما بالكما جلستما؟ قالا: وجدنا عين ماء فشربنا وجلسنا ننتظرك لتشرب فقال: أسقياني منها فطلبا العين فلم يجداها البتة، فعلما أن الله تعالى أخفاها عليهم فلما أيسوا قال ذو القرنين: انصرفا بنا قالا: ولم ننصرف؟ قال: لا أطلب هذه العين فإن الله تعالى رزقكما وحرمني ماءها فأنا الآن أرجع فرجع حتى خرج من الظلمة، وروي أنهم لما بلغوا مكانا يظنونه رضراضا فلم يدروا ما هي فقال الخضر لذي القرنين: قل لقومك يحملوا من هذا الرضراض فإنه من أخذ منها ندم ومن لم يأخذ منها ندم ومن استقل منها ندم ومن استكثر منها ندم، فلما خرجوا من الظلمة إذ الرضراض كلها جواهر ثمينة ويقال كان زبرجدا فندم من استكثر ألا أخذ اكثر وندم من استقل ألا يكون يستكثر وندم من لم يأخذ ألا أخذ، وروي أنه مشى في الظلمة وحده مرة ثانية دخلها من غير العسكر وخلف العسكر خارجها فسار ثمانية عشر يوما وليلة على أرض ملساء لا يعثر بحجر ولا شجر ولا يأكل ولا يشرب ولا يركب ولا ينام قواه الله تعالى لذلك حتى بلغ الجبل المحيط بالعالم وهو قاف وهو من زمزد أخضر فرأى ملكا قائما قد أخذ بيديه طرفي الجبل وهو يقول بصوت كالرعد القاصف سبحان الله بلغ من
पृष्ठ 360