الآداب العربية في القرن التاسع عشر
توطئة
إن الآداب كصرح منيف لا تزال أيدي الأفاضل تفرغ المجهود في بنائه فكل منهم يأتيه بحجرهِ ليزيده علوًا وكمالًا. على أنه يطرأ على هذا الصرح طوارئ شتي فطورًا يبسق ويتعالى وطورًا يتخلف بناؤه فيصيب بناته الخمول ولعل صروف الدهر تتحامل عليه فتقوض أركانه وتسقط بفعل الزمان بغض حجارته.
وكل يعلم ما كان للآداب العربية في القرون السابقة من الرونق والبهاء فترقَت إلى أوج غرها وماست بمافخرها مدة أجيال متوالية إلى أن خمدت همه بناة صرحها حينًا على وفق سنن الطبيعة التي لا تبقى على حالٍ واحدة كما قال الشاعر: لكل شيء إذا ما تم نقصان
وهذه الدنيا لا تُبقي على أحدٍ ... ولا يدوم على حالِ لها شانُ
لكن هذا الخمول والحمد لله لم يدوم زمنًا طويلًا بل كان سباخًا بين بقعتين طَيبتين أو شتاء بين ربيعَين كما سترى فازدهرت شجرة الآداب بعد جفافها وراجت أسواق العلوم بعد كسادها حتى بلغت ما نراه اليوم من أمرها بعناية أرباب الشأن وهمَّه الأدباء.
1 / 5