أبدأ هذا الأسبوع - 4 يناير 1956 - السنة السبعين من عمري، وهذه السن هي التي ذكرها سليمان الحكيم في التوراة بأنها أقصى ما ينشد الإنسان على الأرض. وهو بالطبع لم يكن يعرف وسائلنا الصحية الوقائية والغذائية وأننا نطمع إلى سن المائة محتفظين بشبابنا وقوتنا.
وأظن أن القارئ يحب أن يعرف إحساساتي وأنا على عتبة السبعين. والحق أني أحب أن أعرفها أنا نفسي. وعندما أتأملها أراني أعود إلى الذكريات في الماضي ثم أراني أؤمل للمستقبل.
وأول ما ألاحظ أن علامات الشيخوخة قد بدت على سطح الجسم أكثر مما بدت في داخله، فإن على وجهي غضونا، كما أن شعري الأسود الجعد قد استحال إلى زغب أبيض ناعم. ولكن بعد ذلك لا أجد من علامات الشيخوخة داخل جسمي سوى القليل الذي لا يؤبه به. بل القليل الذي أرتاح إليه مثل ضعف الشهوات النارية التي كانت وقت اشتعالها تقارب التشنجات. وكذلك يجب أن أسلم بأن الذاكرة قد ضعفت بعض الشيء. ولكن يقوم مقامها استيعاب عام يقارب الحكمة.
ولكني حين أعود إلى السنين الماضية أحس الرضى - إن لم يكن السرور - بأني عشت حياة حافلة بالأفكار العميقة والاقتحامات الذهنية والشهوات العليا. وأني قد احترفت العلم والأدب والفلسفة وألفت الكتب وصرت عضوا مقلقا للمجتمع المصري، مثل ذبابة سقراط، أنبه الغافيلن، وأثير الراكدين، وأقيم الراكعين الخاضعين.
ومما يسرني بشأن حياتي الماضية أن ما كتبته قد حييته وما حييته قد كتبته. وأكثر مما يسرني أني ما زلت أحتفظ بشباب ذهني؛ لأن عادات شبابي لا تزال تلازمني. فأنا أقرا وأقتني الكتب وأستطلع وأستزيد من الثقافة كما كنت أفعل قبل أربعين أو خمسين سنة.
وأحب لذلك أن أعيش نحو عشرين أو ثلاثين سنة أخرى أو أكثر.
وليست العبرة بالطبع أن نزيد الحياة سنين، وإنما هي أن نزيد السنين حياة بأن نتعلم ونعمل ونعرف ونختبر. أجل نختبر المر والحلو ونستنبط منهما حكمة للعيش وزيادة في الفهم.
لقد ذكر التاريخ عن كاتو الروماني أنه شرع يتعلم اللغة الإغريقية في سن الثمانين. وليس في هذا ما يستغرب؛ فإن عادات الدرس التي نتعودها في الشباب تلازمنا إلى سن المائة. وظني أن كاتو تعود الدراسة منذ شبابه فلزمته العادة إلى سن الشيخوخة. فإذا كنت أيها الشاب تلعب الورق وتلهو بألعاب الحظ الأخرى فإنك سوف تفعل ذلك عندما تبلغ السبعين أو الثمانين. أما إذا كنت تحب الدرس وتعشق الثقافة فإنك سوف تبقى على هذه الحال ولو بلغت المائة.
وغرامي بالكتب في سنة 1955 هو غرامي بها في سنة 1905. وطربي بالفكرة النبيلة والكشف العلمي والأمل الجديد في الحضارة هذا العام هو طربي بها جميعا قبل خمسين عاما.
هو أسلوب للحياة اتبعته. فلازمني.
अज्ञात पृष्ठ