इस्लाम में शिक्षा और शिक्षण
التربية والتعليم في الإسلام
शैलियों
198
المناظرة
المناظرة نوع من أنواع البحث العلمي، وقد عرفها العرب في أسواقهم الأدبية قبل الإسلام وبعده، وقد شجع الرسول الكريم
صلى الله عليه وسلم
هذا النوع من البحث العلمي المفيد، ومضى العلماء والفضلاء من صحابته على التباحث والتناظر في قضايا العلم والأدب والنسب لتتجلى الحقيقة، وقد ورد في القرآن الكريم الكثير من أحاديث المناظرات، سواء في القصص الديني الذي رواه رسول الله
صلى الله عليه وسلم
عن أهل الأديان السابقة مع خصومهم، أو في مناظرة كفار قريش ومجادلتهم في عباداتهم. وكان الغالب على المناظرات قبل الإسلام وفي أيام الرسول والخلفاء الراشدين روح التساهل والبساطة وتحكيم المنطق العقلي السليم، فلما دخلت الحضارات الأجنبية في البيئة العربية وتغلغلت في أواخر العصر الأموي وأوائل العصر العباسي وما بعده، وتعمقت جذور الفلسفة والحكمة القديمة، وامتزجت الثقافات القديمة بالثقافة العربية الإسلامية؛ ظهرت روح المنطق والفلسفة والمجادلة في تلك المناظرات، وخصوصا حين نجم الزنادقة والملاحدة وأرباب الأهواء والفرق في الإسلام وأرادوا نشر مبادئهم، فزخرفوها للناس وأخذوا يحبذون إليهم الدخول فيها، ويجذبون قلوب الشبان والعامة إليها، فكان طبيعيا أن ينبري لهم المسلمون الغير ويجادلوهم في تلك الأمور، ويناظروهم فيما يدعون لتزييف معتقداتهم وآرائهم، وقد كان لظهور فرقتي «الجبرية» و«المعتزلة» أثر كبير جدا في تطوير أمر المناظرة وآدابها وتكون أسسها وأنظمتها. قال الإمام أبو حامد الغزالي: ... نبغت طائفة المتكلمين من المعتزلة وغيرهم، وظهر من الصدور والخلفاء من مال إلى البحث عن العقائد وإلى التعصب منه، وأقبلوا على من اشتغل بذلك العلم، فأكب الناس على علم الكلام وأكثروا التصانيف، ورتبوا فيه طرق المجادلات والمناقضات، وزعموا أن غرضهم الذب عن الدين والنضال عن السنة، كما زعم من قبلهم أن غرضهم الاستقلال بالفتوى ليتميز الحلال من الحرام. ثم ظهر بعد ذلك من الصدور من لم يستصوب الخوض في أصول العقائد لما فيه من الفتنة، فأعرض عن المتكلمين وأقبل على التعصب للمذاهب في الفروع، وأقبل على من يناظر، وبيان الأولى من مذهب أبي حنيفة والشافعي - رضي الله عنهما - خاصة، فترك الناس الكلام وانثالوا على المسائل الخلافية بين أبي حنيفة والشافعي خاصة، وزعموا أنهم إنما فعلوا ذلك لله تعالى وغرضهم استنباط دقائق الشرع وبيان مآخذ الأحكام، وأكثروا فيه التصانيف ورتبوا طرق المجادلات، وأعرضوا عن الخلاف مع مالك وأحمد بن حنبل وسفيان، مع أنهم كانوا يخالفونهم في جملة الأحاديث والبحث عن معاني الأحاديث وما لا يصح منها وما يصح لهم في مآخذ الأحكام، ولكن كانت رغبتهم بحسب ميل الصدور للتوصل إلى الصلات والولايات؛ فلم يشتغلوا إلا بما يروح عندهم ثم لم يسكتوا عن قولهم إنه لا باعث لهم إلا الدين وإحياء الشرع، ولو مالت نفوس أرباب الولايات إلى الخلاف مع أحمد بن حنبل ومع مالك وغيرهما لاشتغلوا بالبحث عن مذاهبهم ومناقضاتهم ... فهكذا كان ترتيب الأعصار إلى الآن، ولا ندري ما قدره الله تعالى فيما بعد من الأعصار، فهذا هو الباعث على الإكباب على الخلافيات والمناظرة لا غير ... وقلما تجد رجلا يتعلم الخلاف خوفا من أن يقال له يوم القيامة لم تتعلم الخلاف، وما من أحد إلا ويخاف يوم القيامة؛ لم لم تخلص في علمك وعملك، ولم راءيت الناس بطاعتك يا فاجر ويا غاوي ويا فاسق ويا مرائي، كما ورد في الخبر أن المرائي ينادى بهذه الألقاب، ومع ذلك لا يتعلم علم الإخلاص، وطريق الحذر من الرياء، وما يجري هذا المجرى من صفات القلب ...
199
هذا ما يقوله الإمام الغزالي، وهو في رأينا تفسير صحيح لظهور علم المناظرة والخلاف والاختلاف بهما في الدولة العباسية منذ زمن المأمون إلى ما بعده، وبخاصة في القرن الرابع والخامس واهتمام الناس بهما هذا الاهتمام الشديد، بعد أن كان وجودهما في عصر النبي وخلفائه الراشدين والأمويين ظهورا غير واضح الأثر لقرب الناس من طراوة الإسلام وسذاجته، فلما أن تعقدت الحياة العامة واضطربت أحوالها تعقد تفكير الناس واضطربوا وأخذوا يفتشون عن علم الجدليات وعن علم المنطق والمناظرة والبحث وما إلى ذلك، ليظفروا بالغلبة على خصومهم، وتنتصر مبادئهم وعقائدهم. ومهما يكن من أمر المناظرة والجدل فإنهما قد تطورا تطورا عظيما في القرنين الرابع والخامس للهجرة، وكان لهما تأثير في تطوير العلم الإسلامي بصورة عامة، وفي السير قدما بالفكر العربي.
وقد اشترط العلماء للمناظرة شروطا، وألفوا فيها عدة كتب جيدة مفيدة لا مجال للتحدث عنها أو البحث فيها ها هنا، وإنما نريد أن نشير إشارة عابرة إلى أهم الشروط التي اشترطها علماء المناظرة وأرباب الجدل في بحوثهم بما يلي: (1)
अज्ञात पृष्ठ