ताराजिम मशहीर
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
शैलियों
وأول عمل باشره جلالته أنه عين الداماد محمود جلال الدين باشا قائدا عاما للجند (سرعسكر)، وعين سعيد باشا (الإنكليزي) رئيسا للياوران، فلم يعارضه أحد في ذلك، كأن تعيينهما من حقوق السلطان، ولم يعلق مدحت باشا على تعيينهما أهمية، وإنما اهتم على الخصوص بتسمية سكرتيرية السلطان؛ لأن تقربهم منه يجعل لهم نفوذا كبيرا لا يقل عن نفوذ الصدر الأعظم.
وقد كان ينبغي له أن لا يستخف بمنصب السرعسكرية ولا يقبل أن يعين له إلا واحد من أهل ثقته، وقد علم بالاختبار أن خلع عبد العزيز لم يكن ممكنا لو لم يكن السرعسكر عوني باشا في جملة القائلين به والساعين فيه، فهل غفل مدحت عن ذلك أو تغافل؟ أو لعله أحسن الظن في مساعي أهل المابين، وحسن الظن في مثل هذه الحال من ضعف الرأي.
وقد يعترض بأن تعيين السرعسكر من حقوق السلطان، فكان الأجمل بمدحت أن يجعل من ضمن الشروط التي اشترطها على جلالته في مقابلته الأخيرة قبل المبايعة أن يكون السرعسكر فلانا، كما اشترط أن يعين كمال بك وضيا بك سكرتيرين وسعد الله بك رئيس السكرتيرية (باشكاتب)، وهم من خيرة الأحرار.
على أن اشتراطه هذا لم يأت بفائدة؛ لأن السلطان وعده بتعيينهم ولم يف، فلما قابل جلالته بعد المبايعة أخبره أنه عين للباشكاتبية سعيد بك، وهو من رجال محمود نديم الصدر الذي تقدم ذكره، فاعترض مدحت واحتج ونصح فلم يجد ذلك نفعا فأغضى، ولو أصر لانقلب وجه المسألة، وربما فاز فيولي في تلك المناصب أحرارا يؤيدون الدستور. فبإغضائه هذا جعل أهم مراجع النفوذ في قبضة رجال من حزب التقهقر، وقد كانت دسائسهم فاتحة عصر الاستبداد الذي انقضى بالأمس، وظهر للناس بعد انقضائه أن السياسة الخرقاء التي اتبعها جلالة السلطان في مقاومة الأحرار إنما كانت بدسائس أولئك المقربين وأمثالهم.
فأغروه أولا على التخلص من مدحت زعيم ذلك الحزب ولا خوف عليه؛ لأن الجند في قبضته وقائده طوع إشارته، لكنه لم يشأ أن يفعل ذلك مصادرة فعمد إلى سياسة المقاومة بالمطل والتسويف فجعل يتباطأ في إجابه مطاليب الصدارة ويعترض على أعمالها، فبدأ بالاعتراض على الفرمان الذي نصه مدحت وعرضه على جلالته ليخاطب الوزارة به، وهو عبارة عن خطة سياستة بالدستور، فنقحه السلطان وحذف كثيرا من مواده الهامة كما بينا ذلك في مقالتنا «الانقلاب السياسي العثماني» في الهلال الأول من السنة 17، فقبل مدحت بذلك التبديل اعتمادا على أن إعلان الدستور واجتماع مجلس المبعوثان يعوضان تلك الخسارة. (10) تعديل البند 113 من القانون الأساسي
على أنه لم يكد يفكر في ذلك حتى جاءه في 23 نوفمبر سنة 1876 كتاب من السلطان بخط يده يقول فيه «إنه مع ما يرجوه من الراحة والسعادة لشعبه بالنظام الدستوري الجديد فهو يطلب أن تكون حقوق السلاطين أيضا مضمونة فيه؛ ولذلك فهو يرى عرض القانون الأساسي على مجلس الوزراء لتنقيحه.» فأجابه مدحت: «إن هذا القانون قد يكون في حاجة إلى التنقيح، ولكن عرضه على المجلس لتنقيحه يستغرق زمنا لا يسمح به حال الدولة؛ لأن المضايق الحرجة التي وقعت فيها تدعو إلى المبادرة في نشر الإصلاحات وتسكين الخواطر إرضاء للدول التي تهددنا بعقد المؤتمر الدولي الذي قررت عقده في الآستانة حتى أصبحنا وليس لنا إلا أحد وجهين: إما أن نعلن القانون الأساسي وننشر الإصلاحات قبل عقد المؤتمر فلا يبقى للدول حجة علينا، أو أن نؤخر إعلانه فينعقد المؤتمر ويقرر المراقبة على أعمالنا، فإذا تأجل عقد مجلس المبعوثان لا يبقى لنا بد من الدخول في وصاية الدول.»
فلما رأي أهل المابين قوة حجته في هذه المسألة أتوه من طرق أخرى، وذلك أنهم وافقوه على وجوب السرعة في إعلان الدستور، لكنهم اشترطوا تعديلا في البند (113) المتعلق بظهور التمرد أو الخلل في بعض الولايات، فقد جاء في البند المذكور «إنه يحق للحكومة أن تعلن الإدارة العرفية مؤقتا؛ أي تبطل القوانين والنظامات.» فطلبوا أن يضاف إليه هذه الفقرة: «إن الذين يثبت بواسطة تحقيقات الضابطة الصحيحة أنهم سبب في اختلال أمنية الحكومة فللحضرة السلطانية وحدها الحق أن تخرجهم من الممالك المحروسة وتبعدهم عنها.»
فقبل مدحت هذا التعديل رغبة في سرعة العمل؛ ولأن التعديل المشار إليه يتعلق بالولايات، ولم يخطر بباله أنه سيجري عليه هو نفسه؛ لأنه كان قد احتاط لهذا الأمر بالمواد 31 و32 و33 وفحواها أن الوكلاء أو الوزراء لا يعزلون إلا بعد المحاكمة بالمجالس، وهذه نقطة أخرى يلام مدحت على تساهله فيها لأنها كانت علة نفيه.
وبنفيه تزعزع حزب الأحرار. (11) إعلان القانون الأساسي
ولكن السلطان لم يذخر وسعا في تقريب مدحت وترقيته، فلما استقال رشدي باشا من الصدارة لشيخوخته في 19 دسمبر سنة 1876 انتدب مدحت باشا لذلك المنصب، فكان أول شيء أجراه عند ذلك تعجيل إعلان القانون الأساسي، وعقد مجلس المبعوثان لئلا تسيء الدول الظن بالدولة وتقلب لها ظهر المجن، وقد لاقى مقاومة شديدة من المتملقين ومن جملتهم جودت باشا وزير العدلية، ففي الجلسة الأولى التي عقدت للوكلاء في بيت الداماد محمود، اقترح جودت باشا تأخير إعلان الدستور إلى أجل غير مسمى؛ «إذ لم يبق حاجة إليه بعد أن أفضت أزمة السلطنة إلى جلالة السلطان.» فغضب مدحت لذلك الاقتراح غضبا عظيما، وألح في وجوب إعلانه بلا تأخير، وهددهم إذا لم يفعلوا، وقد أفاد تهديده، فلو اتبع هذه الشدة فيما تقدم لغلب الحق على الباطل.
अज्ञात पृष्ठ