ताराजिम मशहीर

जुर्जी ज़ैदान d. 1331 AH
118

ताराजिम मशहीर

تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)

शैलियों

الفصل السابع والثلاثون

الشيخ محمد عبده

(1) ترجمة حياته (1-1) نشأته الأولى

نشأ الفقيد في قرية صغيرة (محلة نصر) من أبوين فقيرين، فلم يمنعه ذلك من الارتقاء بجده واستعداده حتى بلغ منصب الإفتاء وأصبح علما في الشرق وقطبا من أقطاب الدهر سينقش اسمه على صفحات الأيام، ويبقى ذكره ما بقي الإسلام.

شكل 37-1: الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية(ولد سنة 1258 وتوفي سنة 1323ه/1905م).

ولد عام 1258ه وأبوه يتعاطى الفلاحة، وقد أدخل فيها أولاده إلا محمدا؛ لأنه توسم فيه الذكاء فأراد أن يجعله من الفقهاء، فأدخله كتاب القرية تردد إليه حينا، ثم أرسله إلى الجامع الأحمدي في طنطا أقام فيه ثلاث سنوات، ثم نقله إلى الجامع الأزهر فقضى فيه عامين لم يستفد فيهما شيئا، وهو ينسب ذلك بالأكثر إلى فساد طريقة التعليم.

ثم انتبه لنفسه ولم ير بدا من تلقي العلم، فاستنبط لنفسه أسلوبا في المطالعة، وأعمل فكرته في تفهم ما يقرؤه، فاستلذ العلم واستغرق في طلبه فأحرز منه جانبا كبيرا على ما يستطاع إدراكه بتلك الطريقة.

واتفق أن ورد على مصر سنة 1288ه/1871م السيد جمال الدين الأفغاني فيلسوف الإسلام، وصاحب الترجمة لا يزال في الأزهر وقد أدرك الثلاثين من عمره، وتولى جمال الدين تعليم المنطق والفلسفة فانخرط الفقيد في سلك تلامذته مع جماعة من نوابغ المصريين تخرجوا على جمال الدين، فخرجوا لا يشق لهم غبار كأن الرجل نفخ فيهم من روحه، ففتحوا أعينهم وإذا هم في ظلمة وقد جاءهم النور، فاقتبسوا منه - فضلا عن العلم والفلسفة - روحا حية أرتهم حالهم كما هي؛ إذ تمزقت عن عقولهم حجب الأوهام فنشطوا للعمل في الكتابة، فأنشئوا الفصول الأدبية والحكمية والدينية، وكان صاحب الترجمة ألصق الجميع به، وأقربهم إلى طبعه، وأقدرهم على مباراته، فلما قضي على جمال الدين بالإبعاد من هذه الديار، قال يوم وداعه لبعض خاصته: «قد تركت لكم الشيخ محمد عبده، وكفي به لمصر عالما.»

شكل 37-2: جمال الدين الأفغاني.

وتقلب الفقيد في بعض المناصب العلمية بين تدريس في المدارس الأميرية، وتحرير في الوقائع المصرية، وكتابة في الدوائر الرسمية. حتى كانت الحوادث العرابية فحمله أصحابها على السير معهم وهو ينصح لهم أن لا يفعلوا وينذرهم بسوء العاقبة. ولما استفحل أمر العرابيين اختلط الحابل بالنابل، وسيق الناس بتيار الثورة وهم لا يعلمون مصيرهم، فدخل الإنكليز مصر والشيخ محمد عبده في جملة الذين قبض عليهم وحوكموا، فحكم عليه بالنفي؛ لأنه أفتى بعزل توفيق باشا الخديوي السابق، فاختار الإقامة في سوريا فرحب به السوريون، وأعجبوا بعلمه وفضله، فأقام هناك ست سنوات، فاغتنموا إقامته بينهم، وعهدوا إليه بالتدريس في بعض مدارسهم.

अज्ञात पृष्ठ