प्रगतिशील आंदोलन अमेरिका में: एक बहुत छोटा परिचय
الحركة التقدمية في أمريكا: مقدمة قصيرة جدا
शैलियों
لماذا ظهرت الحركة التقدمية في الوقت الذي ظهرت فيه تحديدا، ولم تظهر قبله أو بعده؟ ولماذا كان عدد كاف من الأمريكيين «مستعدا للإصلاح» في عام 1900، وراغبا في تحقيقه خلال الخمسة عشر أو العشرين عاما التالية؟
بدأت الحركة التقدمية في الظهور في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر وتطورت بسرعة متزايدة منذ عام 1900 تقريبا حتى عام 1917، وبعدها حدث انقسام داخلها وخبت خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها مباشرة؛ أي منذ عام 1917 حتى أوائل العشرينيات من القرن العشرين. لماذا ظهرت في ذلك الوقت بالتحديد؟ السبب باختصار يعود لذلك الشعور الذي تولد داخل الأمريكيين على نحو متزايد بينما كان القرن التاسع عشر في سنواته الأخيرة بأن مجتمعهم كان يتغير أحيانا للأفضل، لكنه كان يتغير للأسوأ أيضا في جوانب مهمة. لا شك أن تغير المجتمع إلى الأفضل تمثل في الرخاء الذي اتسمت به ثمانينيات القرن التاسع عشر؛ إذ تضاعفت أميال السكك الحديدية؛ مما حفز التنمية الاقتصادية وأتاح تحقيقها، ودخلت الكهرباء لأول مرة إلى شوارع المدن والأماكن العامة، وبنيت أولى ناطحات السحاب. أما على الجانب الآخر، فقد تمثلت التغيرات إلى الأسوأ بكل تأكيد في ظروف العمل في المصانع والمناجم وفي السيطرة الاحتكارية التي فرضتها خطوط السكك الحديدية على ملايين المزارعين، والأهم من ذلك الفروقات الواضحة بنحو متزايد بين دخول أفراد المجتمع الأوفر حظا وتلك الخاصة بجموع الناس. لقد كان الأغنياء يزدادون غنى - بنحو كبير للغاية - عن معظم الناس. بدا ذلك معقولا ومبررا إلى حد معين، ولكن عندما تم تخطي ذلك الحد، ساد شعور بالظلم والجور. وبرز السؤال: ما الذي يمكن فعله حيال هذا الأمر، إن كان بالإمكان فعل أي شيء؟
ظهرت بوادر السخط مبكرا منذ عام 1880. قبل بضعة عقود من هذا العام، كان الأمريكيون غالبا ما ينظرون إلى المجتمع بوصفه مجموعة متناغمة من الأشخاص المنشغلين بإنتاج الأشياء وتوزيعها؛ إذ كان المزارعون ينتجون الحبوب والقطن ويربون الماشية، بينما كان الحرفيون الماهرون يبنون المنازل ويصنعون حدوات الخيول، والصناع يصنعون المسامير والقضبان، ويبيعها أصحاب المحال التجارية. تألف الاقتصاد من منتجين صغار، وقلما وجد شخص فاحش الثراء أو شديد الفقر، ولم ينبغ لأحد أن يكون كذلك. كان الأشخاص غير المنتجين محل شكوك، وكان يطلق عليهم في بعض الأحيان المتلاعبون بالثروة التي حققها الأشخاص الحقيقيون. لم تتطابق الحقيقة دائما مع هذا النموذج المثالي، ولكن الترابط المتناغم بين المنتجين والدور الثانوي للغاية الذي لعبه غير المنتجين كان هو ما يجدر بالمجتمع الأمريكي أن يكون عليه. ذكر عالم الاقتصاد السياسي الأمريكي الأبرز في القرن التاسع عشر هنري سي كيري الذي نشأ في فيلادلفيا أن المجتمع الصالح قوامه الترابط المتناغم بين أفراده. وكانت عملية الإنتاج ضرورية وتحظى بالاحترام. وذكر المفكر الفرنسي الكبير ألكسي دي توكفيل، الذي اهتم بدراسة الولايات المتحدة وزارها عام 1831، أن الشعب الأمريكي كان يحب التغيير ولكنه كان يكره الثورة، وذلك لأنهم كانوا من ذوي «الثروات الضئيلة»؛ بمعنى أنهم ليسوا فاحشي الثراء، ولكن يحظى جميعهم ببعض الممتلكات التي يستثمرونها وينمونها ويدافعون عنها. رأى هذان الكاتبان أن سر نجاح المجتمع الأمريكي لم ينبع من المساواة بين أفراده، ولكنه كان يكمن في انتشار الفرص على نطاق واسع والتوزيع العادل للملكية بصفة عامة.
ولكن الظلم الجائر الذي فرضه المجتمع الأمريكي على أفراده من غير البيض لم يذكر في نظرية كيري أو ملاحظات توكفيل. وتناقض الشرخ العميق الذي أحدثته الحرب الأهلية التي كانت قد انتهت حينها منذ وقت قصير وما أعقب ذلك من إعادة إعمار مع الحديث عن الترابط المتناغم، مع الأخذ في الاعتبار أن عدد من لقوا حتفهم في تلك الحرب تخطى ستمائة ألف شخص، وأن العداء الطائفي والعرقي قد استمر بعد ذلك لفترة طويلة. ومع ذلك، ظل عدد كبير من الأمريكيين يرون أن الإجابة عن السؤال الخاص بالوضع الذي ينبغي أن تكون عليه أمريكا تكمن في النموذج المثالي للتناغم وفي الانتشار الواسع والديمقراطي للسلطة الاقتصادية والسياسية التي كانت تدعم هذا النموذج وتسمح بتحقيقه. اتسمت النزعة الإنتاجية بأنها متفائلة وحالمة وخيالية بعض الشيء، ومع ذلك بدا بالفعل أنها تحدد الكيفية التي عمل بها الاقتصاد السياسي للبلاد.
هذا كان حال ذلك البلد في أواخر سبعينيات القرن التاسع عشر: نحو خمسين مليون شخص متناثرين على مساحة ثلاثة ملايين ميل مربع من الأرض فيما بين المحيطين الهادئ والأطلنطي، يعيش نحو ثلثهم في منطقة الغرب الأوسط ويقطن ثلث آخر في الجنوب، بحيث يعيش شخصان من بين كل سبعة أشخاص في منطقة الشمال الشرقي، ويتواجد أقل من شخص واحد من بين كل خمسة وعشرين شخصا في الغرب الشاسع. كان أكثر من ثلاثة وأربعين مليون شخص من البيض، ونحو سبعة ملايين شخص كانوا أمريكيين من أصول أفريقية؛ عاش تسعون في المائة منهم في الجنوب. ولد ثلاثة عشر في المائة من السكان في أماكن أخرى، أبرزها - وعلى الترتيب - ألمانيا وأيرلندا وكندا وبريطانيا والدول الاسكندنافية. تمثلت الأقليتان الوحيدتان من غير البيض، بخلاف السود، في نحو مائة ألف شخص من الصينيين (يعيش تقريبا جميعهم في مدن الساحل الغربي أو بالقرب من محطات السكك الحديدية) وربما أربعمائة ألف شخص من الهنود الأمريكيين الذين عاشوا أيضا بنحو أساسي في الغرب. باختصار، كان غالبية السكان يتشابهون في كونهم من البيض الذين ولدوا بالولايات المتحدة، ولكن كانت هناك أقليات كبيرة من السود في الجنوب والآسيويين والهنود في الغرب والمهاجرين في مدن الشرق والغرب الأوسط.
فيم اشتغل هؤلاء السكان؟ عملوا في الزراعة في المقام الأول. في بعض الأحيان خلال سبعينيات القرن التاسع عشر بدأ عدد الأشخاص الذين يعملون في أعمال أخرى غير الزراعة يفوق أعداد المشتغلين بالزراعة، ولكن لم يكن هناك عمل واحد يتفوق على الزراعة. انقسم غير المزارعين بنحو أساسي إلى عمال مصانع وعمال بقطاع الخدمات ومهنيين وأصحاب أعمال وعاملين بالتجارة. لطالما كان الأمريكيون شعبا زراعيا واستمرت غالبيته حتى عام 1920 في العيش بالمزارع أو بالقرى الصغيرة حتى وإن كانوا يشتغلون بأشياء أخرى غير الزراعة وتربية الماشية. والعديد من الأشخاص الذين لم يكونوا مزارعين بالفعل، اشتغلوا مع ذلك في أعمال متعلقة بالزراعة؛ فقد كانوا يصنعون حدوات الخيل أو الأسلاك الشائكة أو يديرون المحلات القروية أو يلقون المواعظ في كنائس القرى. علاوة على ذلك، كان العديد من الأشخاص الذين لم يعودوا يقطنون المزارع أو القرى قد ترعرعوا بها ونظروا إلى العالم من منظور قروي. لم يتخط عدد عمال المصانع - وهم يمثلون ثاني أكبر فئة مهنية - عدد المزارعين على مدى عدة عقود بعد سبعينيات القرن التاسع عشر. وحتى بعد عام 1920 بفترة كبيرة، كان الشعب الأمريكي في معظمه شعبا زراعيا سواء في مكان السكن الفعلي والعمل أم في المظهر.
ومن ناحية توزيع الثروة والدخل، لم يكن الأمريكيون متساوين بأي حال من الأحوال في عام 1870 أو عام 1880، حتى بالنسبة للأغلبية البيضاء التي ولدت بالبلاد، ولم يختلف الوضع عن ذلك قط. ومع هذا كان من النادر أن تكون الفروق بين الأغنياء والفقراء كبيرة جدا في شعب من المزارعين والميكانيكيين وأصحاب المحال التجارية والواعظين والأطباء وأصحاب المهن الأخرى المماثلة. كان هناك عدد قليل من أصحاب النفوذ والمال بوول ستريت والمناطق المماثلة لها، وكانت المسافة الاجتماعية بين عمال المصانع ومالكيها واضحة. ولكن عندما اندلعت الحرب الأهلية في عام 1861، لم يكن هناك عدد كاف بعد من أصحاب المصانع أو حتى من المديرين لتشكيل ما يمكن أن يكون طبقة اجتماعية منفصلة للأغنياء. وحتى ذلك الحين، كان كبار المزارعين في الجنوب يمثلون إلى حد بعيد طبقة أرستقراطية إقطاعية قوية بما يكفي لإجبار جيرانهم الأكثر بساطة على تأييد إعلان الانفصال، ولكن الحرب أوهنت قواهم للغاية. وخلال سبعينيات القرن التاسع عشر، استطاع الجنوب والغرب والغرب الأوسط، وحتى الشمال الشرقي الذي تألف من بلدات صغيرة، التشبث بوهم، بل وإلى حد ما، بحقيقة المجتمع الاقتصادي العادل وغير المتكافئ في بعض الأحيان.
على مدار السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر وسنوات الحقبة التقدمية، استمر هذا التواجد الكبير للسكان في الريف والمناطق المؤلفة من بلدات صغيرة؛ إذ كان ثلثا السكان يعيشون في الجنوب والغرب الأوسط، وهي مناطق، باستثناء شيكاجو، لا تحتوي فعليا على مدن كبيرة. ولكن كانت هناك أمور كثيرة تتغير؛ ففي ثمانينيات القرن التاسع عشر دخل إلى الولايات المتحدة مئات الآلاف من المهاجرين القادمين من أوروبا، ووصلت أعدادهم إلى ملايين بعد عام 1905، ولم يكن أغلبهم قادمين من شمال غرب أوروبا، ولكن من إيطاليا وبولندا وروسيا والبلقان. وتساءل العديد من أفراد الأغلبية البيضاء المولودة بالبلاد إن كان هؤلاء القادمون من روسيا القيصرية أو الأنظمة الملكية الأخرى يمكن أن يتعلموا الأساليب الديمقراطية أم لا. ازدهرت المزارع العائلية الصغيرة - والتي تعرف عادة بالعزب الريفية - في كانساس خلال ثمانينيات القرن التاسع عشر وعبر السهول الكبرى بعد عام 1900، وأدى هذا إلى نمو المدن على نحو أسرع، وصاحب ذلك ظهور مشكلات عسيرة متعلقة بالصحة العامة والمرافق وحفظ الأمن والتعليم. تضاعفت الأعمال والصناعات واتخذت في الأغلب شكل شركات، وأخذ حجمها يزداد يوما بعد يوم مما أدى إلى زيادة نسبة أصحاب الأعمال والرأسماليين إلى الموظفين والعمال. وظهرت طبقة جديدة من مديري الإدارة الوسطى، وهم ليسوا من الملاك ولا العمال ، وإنما مجموعة من الموظفين البيروقراطيين العاملين بشركات السكك الحديدية ومجموعة أخرى من الأعمال. وبينما كان الشعب الأمريكي لا يزال شعبا قرويا في الواقع الفعلي وليس فقط بحكم التقليد، كان أفراده يتحولون تدريجيا إلى التمدن والتصنيع، وكانوا يحاولون في الوقت نفسه فهم ما يعنيه ذلك وإدراك السبل التي تحول دون أن تستبد بهم الجوانب السلبية لذلك التحول.
دقت أواخر سبعينيات القرن التاسع عشر ناقوس الخطر؛ فإذا كان ذلك الترابط المتناغم بين المنتجين الذي تكلم عنه هنري كيري قد تواجد، فقد تحطم بحلول ذلك الوقت. فمنذ أن تسبب الذعر المصرفي في سبتمبر عام 1873 في إفلاس مصرف جاي كوك آند كمباني بفيلادلفيا، وهو أكبر مصارف البلاد، غرق الاقتصاد في حالة من الكساد. كان الانكماش الاقتصادي، رغم أنه كان متفاوتا، حادا في العديد من القطاعات، ولم تتحسن الأحوال بصفة عامة حتى عام 1879. وجاءت الصدمة الكبرى مع إضراب عمال السكك الحديدية الذي بدأ في مارتنسفيل بفيرجينيا الغربية وانتقل بسرعة إلى بيتسبرج وشيكاجو وإلى غرب البلاد في صيف عام 1877. كان هذا الإضراب مختلفا عن أي صراع عمالي سابق، نظرا لأنه انتشر على مستوى البلاد. استدعى حاكم بنسلفانيا قوات الدفاع الخاصة بالولاية. كان الشعب المذعور لا يريد تكرار ما حدث أثناء ثورة كومونة باريس العمالية في عام 1871 حينما استولى المتطرفون على العاصمة الفرنسية لوقت قصير. وأطلقت القوات المذعورة النار على الجموع، وفيهم المشاركون في الإضراب والمتفرجون والمناصرون وعائلاتهم، وقتل خمسون شخصا. اندلعت إضرابات متعاطفة على طول خطوط السكك الحديدية في الغرب والشرق، وانتشرت المواجهات العنيفة في أرجاء ولاية نيويورك من بافالو وحتى روتشستر وسيراكيوز وألباني، ولكن سرعان ما كبحت هذه الانتفاضة. وبالإضافة إلى الجرحى والمتوفين كانت هناك ضحية أخرى وهي الثقة في «تناغم الطبقات المنتجة»؛ فإذا كان ذلك التناغم قد وجد بالفعل؛ فمن الواضح أنه لم يعد له وجود. لقد أضحى المزارعون والعمال يقفون على أحد طرفي انقسام اجتماعي كبير، بينما كان الملاك والمديرون - الرأسماليون - على الطرف الآخر. ولم يعد الشعب الأمريكي يفكر من منظور التناغم وإنما الصراع ؛ فقد أصبح رأس المال في مواجهة العمالة و«المصالح» في مواجهة «الشعب». كان لا بد من حدوث تغييرات جادة، ولكن كيف؟ لم يكن هناك أي حزب سياسي كبير مستعد ولو قليلا لإحداث تغييرات ولو حتى متوسطة، وكان الإصلاح بعيدا جدا. ولكن رأى المفكرون أن أمريكا قد تجاوزت أزمة كبيرة وبدأت تأخذ منعطفا جديدا، وعند ذلك المنعطف ظهرت بعض القوى المنذرة بالخطر للغاية.
لم يكن إضراب عمال السكك الحديدية العظيم عام 1877 هو الاضطراب الوحيد الذي شهدته البلاد؛ ففي عام 1882 أعلن دمج الشركات المنتجة للنفط التي كان يسيطر عليها جون دي روكفلر - والتي كانت كبيرة الحجم بالفعل - في شركة واحدة هي ستاندرد أويل؛ مما أسفر عن شركة تحكمت وحدها وبصورة احتكارية في صناعة حيوية. في ذلك الوقت أصدرت المحكمة العليا الأمريكية أحكاما تعرف الشركة بوصفها شخصية اعتبارية؛ وذلك وفقا لما يعنيه التعديل الرابع عشر للدستور، وبذلك أصبحت الشركات تمتلك حقوقا، مثلها مثل الأشخاص الحقيقيين، لا يمكن أن تنتهكها الحكومات. كانت هيئات السكك الحديدية أيضا تتخذ شكل الشركات، وكانت الأمور تسير في اتجاه استطاعت بموجبه بعض تلك الهيئات «تنظيم» أنفسها في كيانات احتكارية إقليمية. وبحلول أواخر سبعينيات القرن التاسع عشر، كان هناك 80 ألف ميل من خطوط السكك الحديدية تعمل في الأغلب بمنطقتي الشمال الشرقي والغرب الأوسط، وبحلول عام 1890 تضاعفت الخطوط لتمتد لمسافة 167 ألف ميل، تتضمن أربعة خطوط ممتدة عبر القارة وخطا خامسا عبر كندا. أصبحت الشركات الكبرى واقعا يميز الحياة الأمريكية، وكلما ازداد حجم هذه المؤسسات، شعر العامل والمزارع العاديان بضآلتهما المتناهية أمام الأغنياء وأصحاب النفوذ أكثر من أي وقت مضى. هل كانت هذه المؤسسات الكبيرة تحتاج أن تخضع للسيطرة والتنظيم؟ لم ينتبه إلا قلة قليلة من الأشخاص إلى تلك الحاجة أو الاحتمالية في عام 1880، أو للشكل الذي يمكن أن يتخذه هذا الأمر. لم يدرك هذا الأمر سوى قليلين.
अज्ञात पृष्ठ