ताओ ते चिंग
تاو-تي-كنج: كتاب الطريق والفضيلة
शैलियों
ملحوظة
الكتاب الأول
الكتاب الثاني
مصادر الكتاب
ملحوظة
الكتاب الأول
الكتاب الثاني
مصادر الكتاب
تاو-تي-كنج
تاو-تي-كنج
अज्ञात पृष्ठ
كتاب الطريق والفضيلة
تأليف
لاو تسي
تقديم وترجمة
عبد الغفار مكاوي
مراجعة
مصطفى ماهر
تقديم
بقلم عبد الغفار مكاوي
بلغ الحكيم السبعين من عمره فوهن جسده وسئمت نفسه، واشتاق إلى الراحة فعزم على أن يهجر البلاد إلى الغرب البعيد، وجمع في جرابه ما يحتاج إليه؛ الكتاب الذي تعود أن يقرأ فيه، ومن الزاد القليل. وركب ثوره الأسود، يسحبه تلميذه الصغير، وراح يشق طريقه في بطن الجبل. وعندما بلغ مخفر الحدود تقدم حارس الجمرك الشاب فأوقف دابته السوداء وتطلع في وجه الشيخ وسأل: «هل من شيء يستحق الضريبة؟» فأجاب: «لا شيء.» وقال الصبي: «لقد كان يعلم.» وعاد حارس الجمرك يسأل: «وماذا كان يعلم؟» فقال الصبي: «إن الوداعة تغلب الشدة، وإن الماء يفتت الصخر.» فسأل الشاب من جديد والدهشة تطل من عينيه: «وما حكاية هذا الماء؟ إن كنت تعرف فتكلم، اكتبه لي، أمله على هذا الصبي، مل بدابتك وتلميذك إلى كوخي، عندنا الورق والمداد، ونستطيع أيضا أن نقدم لك وجبة العشاء.» قال الشيخ في نفسه: «إن من يسأل يستحق أن يجاب.» ونزل من فوق ثوره الأسود، ودخل إلى الكوخ وراح يملي على صبيه سبعة أيام متتالية، وفي اليوم السابع سلم الصبي حارس الجمرك - فيما تقول الأسطورة التي يرويها المؤرخ شي جي في المائة الأولى قبل الميلاد - إحدى وثمانين قصيدة، في أكثر من خمسة آلاف كلمة، خرجت من فم العارف الذي لا يحب الكلام، وكان منها هذا الكتاب الصغير العجيب «تاو تي كنج»، كتاب الطريق والفضيلة، الذي ألفه الحكيم لاو تسي وهو في طريقه إلى المهجر، بعد أن بلغ السبعين من عمره، وضعف جسده وسئمت نفسه.
अज्ञात पृष्ठ
ويسأل القارئ: ومن هو لاو تسي هذا؟ فتحضرنا الإجابة السريعة: إننا لا نعرف عنه شيئا أو لا نكاد نعرف عنه شيئا! لقد كان، وسيبقى دائما بالنسبة لنا مجهولا، مثله في ذلك مثل الطريق الذي يحدثنا عنه. لا أحد يدري إن كان «لاو تسي» هذا، وهي كلمة معناها المعلم الشيخ، قد عاش حقيقة أو إن كان شخصية أسطورية، لا يدري أحد إن كان هو الذي ألف الكتاب أو إن كان هو الذي جمعه ورتب أبوابه. ولا يدري أحد كذلك إن كان «لاو تسي» هو اسم الرجل أو اسم الكتاب الذي نسب إليه. ومع ذلك فيمكننا أن نقول مع بعض المؤرخين إنه ولد في عام 571 قبل الميلاد،
1
وإنه كان معاصرا للمعلم الأشهر كونفوشيوس - ولعله كان يكبره بعشرين عاما - وإنه نشأ في أسرة عريقة، واشتغل أمينا لوثائق القصر في العاصمة، وإنه ودع بلاده وهو ما يزال في منتصف العمر، وهاجر إلى الغرب البعيد حيث عاش في عزلة عن الناس حتى بلغ التسعين أو يزيد، وترك وراءه عددا وفيرا من الأبناء والأحفاد، كان أحدهم موظفا.
أما الكتاب المقدس عن الطريق والفضيلة - تلك هي الترجمة الحرفية لتاو تي كنج - وهو الذي تحدى قدرة المترجمين والمفسرين في الشرق والغرب على مدى مئات السنين، فلم يثبت وجوده إلا في القرن السادس بعد المسيح. مؤلف مجهول الاسم كالطريق الذي يبشر به، ومع ذلك فنحن لا نستطيع أن نجهل شخصيته الحائرة التي تطالعنا من بين السطور فيما يشبه الاعتراف الذاتي حين يقول في المقطوعة العشرين:
الناس جميعهم فرحون
كأنهم يشاركون في وليمة التضحية.
كأنهم ذاهبون إلى مهرجان الربيع.
أنا وحدي أرقد في سكون
أشبه بطفل صغير
لم يبتسم مرة واحدة في حياته.
अज्ञात पृष्ठ
أنا وحدي متعب، حزين القلب،
مضيع، وكأني بغير هدف.
أنا وحدي غير الآخرين.
أو شخصيته الآمرة الواثقة التي تقابلنا في المقطوعة 67:
رحيم، من أجل هذا وحده أستطيع أن أكون شجاعا،
معتدل، من أجل هذا وحده أستطيع أن أكون كريما،
أو التي تفاجئنا وتبهرنا في المقطوعة 70:
النادرون هم الذين يفهمونني،
والذين يتبعونني، هم المرموقون.
ولكن هل نحن في حاجة إلى الاستشهاد بكلماته وقد كان لها كل هذا الأثر في خلق ديانة لها الآن أتباعها وكهنتها ومعابدها وطقوسها؟!
अज्ञात पृष्ठ
ومع ذلك فهذه الديانة أو هذا المذهب الذي يعد لاو تسي مؤسسه الأول يحيط به الظلام والغموض من كل ناحية. فالتصور الأساسي فيه، وهو «التاو» (الطريق) قد ورد في مواضع كثيرة من حكم كونفوشيوس بمعنى طريق الملوك الأقدمين، أو طريق السلوك الصحيح في الحياة. وهو يرد في التاوية القديمة بمعنى الطريق إلى الحياة الأبدية، كما يشهد بذلك البيت الأخير من القصيدة التاسعة والخمسين حيث يقول:
هذا هو طريق الحياة الأبدية،
طريق الرؤيا الدائمة.
ثم اتسع مدلول الكلمة فكانت تطلق على طريق العالم، أو الطبيعة، وعلى مبدأ كل حياة ووجود، حتى أصبحت تدل أخيرا على تلك الحقيقة التي لا تحيط بها الأسماء والصفات، وإن اضطرت الإنسان إلى تسميتها بالطريق حتى يستطيع أن يتحدث عنها.
أما عن كلمة «تي» التي ترد بعد «التاو» في اسم هذا الكتاب المقدس فقد مرت كذلك بمراحل عديدة. كانت في البداية تدل على القوة السحرية التي يوصف بها من يقوم بالشعائر والطقوس على الوجه الصحيح، ثم أطلقت بعد ذلك على كل من يسلك السلوك الأخلاقي الطيب. وهي في الحقيقة تلتقي مع كلمة
Virtus
اللاتينية التي تترجم عادة بالفضيلة، وإن كانت تعني كذلك القوة والطاقة والإرادة الكامنة في أعماق الإنسان.
والهدف من التصوف التاوي هو العودة بالإنسان إلى الطبيعة الأصيلة، إلى بساطتها وبراءتها وصفائها الأول، والرجوع بذلك إلى الحياة الأبدية الباقية. وتتمثل هذه البساطة الأولى في الطفل، كما تتمثل في اللانهائي واللامحدود، وفي كتلة الخشب الخام الذي لم تمسسه يد بشر، ولم تحاول معالجته بالتشكيل والتصنيع. ولكن هناك عقبات كثيرة تحول بين الإنسان وبين السير على طريق الأبد والبقاء، هناك الأنانية، والسعي الدائب إلى الكسب والشهرة والنجاح، وهناك الحضارة والفن وقوانين الحكم والتعلم، بالمعنى الذي يجعل الإنسان يستزيد من المعلومات «عن العالم» بدلا من معرفة «العالم» نفسه، ويطلب الدرس والتحصيل فيفقد الحب والحكمة. وطريق الحكيم إلى السعادة يتلخص في كلمة واحدة هي «وو-وي»؛ أي التخلي عن الفعل وعدم العمل عن طريق الحد من البذور والكلمات والأفعال. وليس المقصود بذلك هو الكسل أو التواكل والجمود، بل هو عدم «التدخل» في مجرى الطبيعة، والإعراض عن كل فعل من شأنه أن يثير شهوة النجاح والتملك والسيطرة، ويولد بدوره من الأفعال ما يزيد من حدة التنافس بين الناس، ويدفعهم إلى تسلق سلم الطموح والشهرة والتحكم الذي لا آخر له. فالحكيم كما تقول إحدى القصائد، لا يشتهي شيئا، اللهم إلا ألا يشتهي. إنه يسير على طريق يخالف طريق الفكر الغربي الذي يطبع العالم اليوم بطابعه، وينشر سلطانه المفزع حتى على البلد الذي نشأ فيه الحكيم نفسه، ذلك أن مفكر الغرب - منذ ألقى الفيلسوف اليوناني الأول سؤاله المشهور: ما هو الموجود؟ مارا ببيكون وديكارت في أوائل العصر الحديث حتى أيامنا هذه - قد انساق بإرادته أو بغير إرادته وراء السيطرة على العالم، والتحكم فيه بالعقل واليد والآلة، بينما حاول الحكيم الشرقي دائما أن يحب العالم ويعانقه ويندمج فيه.
ونخطئ خطأ كبيرا إن ظننا أن الحكيم الصيني قد نادى بالتخلي عن العالم أو إهمال الجسد؛ ذلك أن السعادة التي ينشدها روحية بقدر ما هي جسدية. بل إنه لا يفرق بين جسد وروح كما يفرق بين دنيا وآخرة، بين وجود أرضي ووجود آخر وراءه كما فرقت بينهما الفلسفة الإغريقية مثلا، من أدل الأشياء على ذلك - فيما يقول المتخصصون في اللغة الصينية - أن كلمة شن تدل على الجسد كما تدل على الروح في آن واحد، كما تشير إلى ذلك القصيدة الثالثة عشرة. فالحياة الأبدية إذن استمرار للحياة الجسدية، والمحافظة على الحياة الجسدية تكاد تكون فكرة أساسية في هذا الكتاب، إن لم تكن هي لبه وجوهره. وإذا كان الازدهار يتبعه الذبول، فإن الحكيم يريد للإنسان أن يعيش في ربيع دائم، وأن يقف بكل طاقته في طريق العجز والشيخوخة، ولكن قانون الطبيعة يقول إن الازدهار يتبعه الذبول، وإن الحياة تنتهي بالموت؛ ولذلك فإن الحكيم التاوي يرى أن كل أمل للإنسان في الخلود ينتهي حين يبلغ السبعين من عمره. فعلى الإنسان إذن أن يبقى بغير عمل، ولن يجد شيئا لم يعمل، أن يلزم السكينة والهدوء، وسوف تنحل كل العقد من تلقاء نفسها، أن يجرد ذاته من شهوة الكسب والنجاح، فيصل إلى الكسب والنجاح الحقيقيين بالاتحاد مع «التاو»، طريق السماء. هذا المذهب في السلوك والحياة يكون أبعد ما يكون أثرا على حياة الرعية حين يأخذ به الراعي نفسه؛ ولذلك نجد الحكيم يوجه حديثه إلى الحاكم بوجه خاص، ويهتم بنجاته وتحكمه في نفسه أشد الاهتمام. وهذه العناية بالحاكم أو الملك مستمدة من طبيعة النظرة الصينية نفسها منذ القدم، فهي لم تفصل أبدا بين الكون الصغير والكون الكبير، ولم تذكر الأرض والسماء إلا ذكرت معهما الملك والحاكم، ولم تتحدث عن الفضيلة الصوفية إلا وتحدثت عن فضيلة الحكم وإدارة شئون الدولة. وشخصية الحكيم نفسه مزيج من الزاهد العاكف على التأمل والحاكم المدبر لشئون الرعية، فإذا قال عن الحكيم أو القديس (في القصيدة الثانية عشرة) إنه «يعمل من أجل البطن لا من أجل العين.» فهو يحدد بذلك قاعدة السلوك الصحيح للفرد، كما يحدد قاعدة الحكم للحاكم. إنه ينصحه بأن يهتم بإشباع الشعب لا «بتفتيح عينيه» أو إيقاظ شهواته؛ وبذلك تتداخل خيوط الصوفية والحكمة العملية والسياسية في نسيج واحد.
ولكي نفهم هذا الكتاب حق الفهم ينبغي أن نعرف البيئة والظروف التي نشأ فيها. لقد كانت السكينة والهدوء وعدم الفعل محاولة من مؤلفه المجهول لفض المنازعات الدامية التي سادت في عصره؛ فقد ظلت الإمارات والدويلات الصينية منذ القرن الخامس قبل الميلاد تتصارع على السيادة وتشتبك في حروب ومؤامرات لا آخر لها. كان الاستيلاء على الدولة أو المملكة هو مشكلة الساعة كما نقول اليوم (راجع القصائد 29، 31، 48). وراح الفلاسفة والحكماء يرحلون من إمارة إلى إمارة ليدلوا أصحابها على أفضل طريق إلى السيادة على العالم (فقد كانت المملكة ومملكة الأرض بالنسبة للصيني شيئا واحدا). اقترحوا عليهم أن يتحدوا مع دولة تسين Tsin التي كانت تنمو وتتضخم على نحو ينذر بالخطر أو يتحدوا ضدها، ولكن فكرتهم عن إقامة دولة القانون والبوليس، وهي التي عرفت فيما بعد بالنظرية القانونية، وجدت الترحيب والقبول في نفوس الأمراء، ونشأت نظرية الحكم القانوني في مملكة تسي الغنية في شمالي شرقي الصين، ثم تطورات إلى أقصى حد في مملكة تسين
अज्ञात पृष्ठ
Tsin
في الغرب، حتى تمكنت من هزيمة منافسيها جميعا في عام 221ق.م. وأسست تلك الدولة الموحدة التي نسميها اليوم بالصين، ولكن هذه الدولة التي قامت على الحكم المتجبر والتسليح الشامل، وأدمت ظهور الشعب بالسخرة المهينة والتدريب المتصل على الحرب ما لبثت أن انهارت بعد خمسة عشر عاما من الطغيان والجبروت. ورأى لاو تسي أن الموت في ظل دولة كهذه أعذب من الحياة. ولم يملك في وجه نظام يمجد الحرب ويؤله السلاح إلا أن يكتب حكمه التي تدعو إلى السلام في حرارة وصدق لا يخلوان من الغضب المقدس، وأن يصف الأسلحة والجيوش بأنها من بين الشرور أعظمها شرا، ومن ثم وجدناه يقول في المقطوعة الثلاثين:
حيث تكون الجيوش، تنمو الأشواك والأحراش،
وبعد المعركة العظيمة
تأتي السنون العجاف.
كما يقول في المقطوعة الواحدة والثلاثين:
لأن الأسلحة أدوات الشر،
ولأن الكائنات تكرهها؛
فإن من يملك الطريق
لا يسكن قريبا منها.
अज्ञात पृष्ठ
أو في المقطوعة التاسعة والستين:
حقا، عندما يشرع اثنان السلاح أحدهما في وجه الآخر،
فإن من يندب حظه منهما هو المنتصر.
ورأيناه يقف في وجه الحكم الدكتاتوري الشمولي - كما نعبر اليوم - ويرفض رقابة الدولة على وجدان الشعب وسلوكه، فهو يقول في بداية المقطوعة الثامنة والخمسين ناعيا على الحاكم كل نشاط يمكن أن يؤدي إلى النزاع وكل فاعلية فاسدة قد ينجم عنها التطاحن والصراع:
عندما يكون الحاكم كسولا وضيق الحيلة،
يكون الشعب سعيدا وقرير العين،
عندما يكون الحاكم نشيطا وحازما،
يكون الشعب بائسا وساخطا.
ويقول في مطلع القصيدة الستين:
احكم البلد العظيم
अज्ञात पृष्ठ
كما لو كنت تقلي الأسماك الصغيرة.
أو يقول في القصيدة الرابعة والسبعين:
إذا كان الشعب لا يخاف من الموت
فلماذا إذن نبث فيه الرعب من الموت؟
وفي وقت يرى الحكيم فيه شعبه تهدر إنسانيته وتقتل الحرب والسخرة كرامته، كان لا بد له وهو الذي يعيش في آلام الناس أن يقول بيته المشهور في الفصل الثمانين:
اجعل الشعب يأخذ الموت مأخذا جادا.
وانهارت دولة «تسين» كما قلنا بعد حكم متجبر لم يزد على خمسة عشر عاما، وتبعتها دولة «هان» التي قامت بعدد كبير من الإصلاحات الإدارية والتشريعية، ومن أهمها تأسيس دولة الموظفين على أنقاض دولة الإقطاع. وفي عام 136ق.م. أعلنت الكونفوشية مذهبا رسميا للدولة، وظلت كذلك حتى عام 1911 بعد الميلاد.
ويرجع الفضل في نشر هذه الفلسفة إلى كونج كيو، أو كونج فو تسي الذي اشتهر باسم «المعلم كونج» وقد عاش وحكم حوالي عام 500ق.م. فقد قضى حياته في تربية شباب النبلاء في بلاد «لو» وأصبحت القواعد التي قامت عليها هذه التربية أساسا لما سمي فيما بعد بالمذهب الكونفوشي. وقد لعبت الكرامة الإنسانية أو الصداقة للإنسان (ين) دورا أساسيا في هذه التربية، كما كان الهدف منها هو الابن المطيع والرعية الوفية، ومثلها الأعلى الذي وضعته أمام الأمراء هم القديسون والحكماء من الملوك العظام والقياصرة الإلهيين في العصور القديمة.
وجاء مونج-تسي، الذي يسميه الغربيون منسيوس (من عام 372 إلى عام 289ق.م.) فكافح في سبيل تدعيم الكونفوشية، وأضاف إلى ال «ين» فضيلة جديدة هي العدل، وأكملهما بالذكاء، والأخلاق الطيبة، والموسيقى، وأصبح الخير مع الزمن نتيجة للتربية والتعليم. وعندما وضع لاو تسي كتابه كانت الإنسانية (ين) وسائر الفضائل قد أصبحت مجرد شعارات وشعائر أدت بطبيعتها إلى الكذب والنفاق الاجتماعي؛ ولذلك لم يكن عجيبا أن يتطرف لاو تسي في الهجوم عليها إلى الحد الذي يرفض معه الإنسانية نفسها بعد أن أصبحت مرادفة لآداب اللياقة وشعائر الذوق والاحترام، وأن يتطرف كذلك في رفضه «للتعليم» الذي لا تكاد توجد حكمة من حكم كونفوشيوس التي جمعها تلاميذه في المجموعة المعروفة باسم «لون يي» إلا وتبدأ بها. فالتعليم في رأيه خطر على البراءة الطبيعية والسعادة الصوفية. والحاكم الذي يدبر شئون الرعية بالفطنة والمهارة والشطارة يزيد الرعية تعاسة وشقاء. والعصر الذهبي الذي عاش فيه الحكماء الأقدمون لم يكن يعرف شيئا عن الكتابة والتدوين (المقطوعة الثمانون):
اجعل الناس كذلك يرجعون
अज्ञात पृष्ठ
إلى الحبل المعقود ويستعملونه.
ولا كان يهتم بالدرس والتحصيل (المقطوعة العشرون):
اطرح التعلم وسوف تنتهي همومك!
أو كما يقول في المقطوعة الثامنة والأربعين:
ابق بغير عمل
ولن تجد شيئا لم يعمل
أو كما يعبر في القصيدة الخامسة والستين:
القدماء الذين عرفوا كيف يهتدون بالطريق
لم يكن هدفهم تنوير الشعب
بل إبقاؤه جاهلا،
अज्ञात पृष्ठ
فكلما زاد حظه من العلم
كان عسيرا على الحكم.
ولعل من السخرية أن الذي ينصح الناس بعدم الفعل وعدم الكلام قد اضطر إلى تدوين أسرار حكمته في خمسة آلاف كلمة! •••
قلنا إن كتاب تاو-تي-كنج مزيج من التصوف والحكمة العملية والنظرية السياسية. ولم يكن بد من أن يعرضه ذلك لمختلف التفسيرات والتأويلات على مر العصور. فقد تفرعت التاوية في القرون الأولى بعد الميلاد إلى فرعين: مذهب في الكون والحياة يؤمن به مجموعة من المثقفين المنعزلين عن العالم، وعقيدة سحرية شعبية استجابت لها جموع الفلاحين. واشتبكت التاوية في صراع حاد مع البوذية، وسرعان ما ارتفع لاو تسي إلى صفوف الآلهة، وأصبحت التاوية دينا له معابده وأسراره وكهنته وطقوسه كما أصبحت وسيلة لممارسة فنون السحر والدجل والشعوذة.
أما تأثيرها السياسي فمن الصعب تقديره. فيروى أن الحكم السعيد الذي اشتهر به أحد قياصرة دولة هان (وهو ون-دي الذي حكم من عام 179 إلى عام 157 قبل الميلاد) يرجع قبل كل شيء إلى تأثير الفلسفة التاوية عليه. كما يروى أن أمه كانت تحب كلمات لاو تسي ولم تكن تميل إلى فنون الكونفوشيين. وقد استطاع ابنها بالتواضع والتسامح والهدوء أن يقلم أظفار الطموح في قواده ومستشاريه وأن يقف في وجه أعدائه الشماليين من الهون-خان وينشر السعادة والرخاء في بلاده. كما أن انتشار فكرة عدم العمل في عهد ازدهار التاوية الجديدة في القرنين الثالث والرابع بعد المسيح (وبخاصة على يد مستشار الدولة وانج يان) هو المسئول إلى حد كبير عن العام الأسود 311ق.م. الذي مرت به دولة الصين؛ إذ وقعت في أيدي قبائل الهون وانشقت على نفسها قرونا عديدة. ومع ذلك فقد يمكن القول بأن الفهم الصحيح لفكرة الامتناع عن العمل، وهو عدم الإفراط أو تجاوز الحد، هو الذي كفل لدولة الوسط (الصين) أن تتصل حضارتها وتاريخها من العصور القديمة إلى اليوم.
لم يعد هناك شك في أن التاوية كانت انقلابا عظيما على الدين التقليدي في الصين وحماسا شديدا في سبيل المطلق، كما كانت رد فعل قوي ضد الطقوس القديمة وحربا على النفاق الاجتماعي ومراسم اللياقة والسلوك. فالتاويون متصوفون يندمجون في الطبيعة، ويمقتون النفاق، ويرفعون من شأن الإلهام والروح الشعرية الغنائية أمام سيادة العقل والتعاليم الأخلاقية الشكلية عند الكونفوشيين، كما يقدمون الحكمة على المعرفة، وينصرون الفرد في وجه الجماعة، ويفسحون المجال لخلجات النفس وأشواق الروح وشرارة الخيال تجاه ما قرره الكونفوشيون من واجبات الإنسان ومسئولياته أمام الأسرة والنظام الاجتماعي. وإذا كان الحكيم التاوي يريد أن يحرر نفسه من كل رغبة في الامتلاك، فلا شك في أنه لم يكن يسعى إلى شيء كسعيه إلى امتلاك المطلق، الواحد، الأول، البسيط، والرجوع إلى «التاو» مبدأ كل حياة وسر كل وجود.
إن القارئ الذي يتعمق في قراءة هذا الكتاب، لا بد سيحس بضرورته في عصر التسابق والصراع الذي لا يعرف حدا للطمع والقلق والطموح. وسوف يبتسم بالطبع في نهاية الأمر حين يطلب منه الحكيم الطيب أن يمتنع عن العمل لكي يصل إلى الطريق. إذ كيف يفهم ما يريده الحكيم بالعمل؟ وإذا امتنع عن العمل فكيف يستطيع أن يبرر حياته في زمن لا يقدس شيئا كما يقدس العمل؟
الحق أنه لو كان التوقف عن النشاط والعمل مرادفا للكسل والاستكانة ما استحق منا هذا الكتاب أن نخط فيه حرفا واحدا، ولكن المؤلف الذي يعلمنا التواضع والاتضاع في زمن يمجد النجاح والطموح مهما تكن نتيجتهما، ويعيدنا إلى منبع السكينة في زمن يعصف به القلق، ويحذرنا من تجاوز الحد في وقت يتباهى فيه الإنسان بقوته ويكاد ينسى أن الإنسان ليس إلها، ويغني للوداعة والمحبة والسلام حيث يزداد ضجيج السلاح في كل مكان، مثل هذا المؤلف جدير بإنسان العصر، ولا شك، أن يتوقف لحظة ليستمع إليه ويسأل نفسه إن كان الحق معه. سيجد في كلماته أصداء من حكمة اليونان - وهل علمنا اليونان درسا أغلى من الاعتدال ومعرفة الحد؟ - ومن موعظة الجبل وخطبة الوداع. وسيتذكر معه موكب الصابرين والمتواضعين من أقدم العصور إلى تولستوي في العصر الحديث. وإذا أفلحت هذه الحكمة في أن تنتزع منه الابتسام، فلا شك أنها ستحمل مع الابتسام كثيرا من الصبر والأمل والعزاء.
ملحوظة
لما كنت لا أعرف للأسف حرفا واحدا من اللغة الصينية فقد اعتمدت في هذه الترجمة على ثلاث ترجمات هي كل ما استطعت أن أصل إليه، أوضحت لي مدى الاختلاف حول تفسير النص الذي لا شك في أنه يبلغ في لغته الأصلية حدا كبيرا من الغموض والتعقيد. وسيجد القارئ نص القصائد في أعلى الصفحة، أثبته بعد المقارنة والاحتكام إلى آراء الشراح وتغليب ما اطمأن إليه إحساسي ورجحت قربه من وجدان المؤلف وحكمته وشاعريته. وسيجد القارئ في الهوامش القراءات المختلفة في الترجمات، نصصت عليها في بعضها، وتجنبت أن أثقل عليه بها في البعض الآخر، وسيجد كذلك شرحا لبعض المواضع الغامضة اعتمدت فيه على الثقات من المترجمين والمفسرين، وبالأخص المترجم الألماني «جونتر ديبون» والمترجم الإنجليزي «آرثروالي»، أما الكاتب الصيني «لين يوتانج» الذي نشر الكتاب وأضاف إليه كثيرا من التعليقات وزخرفه بكثير من الطرائف والحكايات التي استمدها من كتابات الحكيم تشو انج تسي - ألمع تلامذة لاو تسي وأشدهم نبوغا وشاعرية - فقد التزمت منه موقف الحذر؛ بعد أن نبه بعض الباحثين إلى ما بين الحكيمين من فروق جوهرية، وإن كنت قد استفدت كثيرا من ترجمته الجميلة المبسطة.
अज्ञात पृष्ठ
وللقارئ أن يطمئن إلى القراءة التي يرضاها ذوقه، حتى يقيض الله لنا - في وقت قريب أو بعيد - من أبناء وطننا من ينقل هذا الكتاب، الذي لم يوصف عبثا بالقداسة، عن لغته الأصلية مباشرة، ومن يدري؟ فقد لا يطول بنا الانتظار!
الكتاب الأول
1
الطريق
لو كان في استطاعتنا أن ندل على الطريق
ما كان هو الطريق الأبدي.
لو كان في استطاعتنا أن نسمي الاسم
لما كان هو الاسم الأبدي.
الذي بغير اسم
هو مبدأ السماء والأرض ،
अज्ञात पृष्ठ
والذي له اسم
هو أم الجواهر العشرة آلاف.
1
حقا،
من كان إلى الأبد بغير شهوة
2
فسوف يري سر الأسرار.
من كان إلى الأبد محكوما بالشهوات
3
فلن يرى إلا طرف ثوبه.
अज्ञात पृष्ठ
4
هذان الاثنان شيء واحد
خرجا إلى الوجود فاختلفت أسماؤهما،
التوحيد بينهما نصفه بأنه صوفي،
صوفي، ومرة أخرى صوفي.
هو الباب الذي يؤدي إلى سر كل حياة.
5
2
نشأة الأضداد
منذ أن عرف كل إنسان على الأرض.
अज्ञात पृष्ठ
6
جمال الجميل
وجد القبح،
منذ أن عرف كل إنسان على الأرض
أن الخير خير
وجد الشر.
حقا،
الوجود وعدم الوجود ينبع أحدهما من الآخر؛
الثقيل والخفيف كلاهما شرط للآخر.
الطويل والقصير كلاهما مقياس لصاحبه.
अज्ञात पृष्ठ
العالي والواطي يحدد أحدهما الآخر.
الصوت (البشري) يلتئم مع النغم في الجوقة.
واللاحق يتبع السابق.
لذلك فإن الحكيم
ينبغي أن يعمل بغير عمل،
وأن يعلم من غير كلام.
7
الجواهر العشرة آلاف خلقت منه
غير أنه لا يتخلى
8
अज्ञात पृष्ठ
عنها.
هو ينتج، ولكنه لا يمتلك،
ويعمل، ولكنه لا يعول على عمله.
وإذا ما أتم عمله، لم يتلبث عنده.
9
ولأنه لا يتلبث عنده،
فليس هناك شيء
يمكن أن يفلت منه.
3
العمل بغير عمل
अज्ञात पृष्ठ
من لا يكرم الدءوبين
يجعل الشعب لا يتنازع.
10
من لا يقدر الخيرات التي يتعذر الوصول إليها
يجعل الشعب لا يتحول إلى لصوص.
من لا يعرض على الناس ما يثير فيهم الشهوة
يجعلهم لا يتحولون إلى عصاة.
11
لذلك كان حكم الحكيم:
إنه يفرغ عقولهم
अज्ञात पृष्ठ
ويملأ بطونهم،
يضعف إرادتهم.
12
ويقوي عظامهم.
إنه يترك الشعب أبدا
بلا علم ولا شهوة.
ويجعل الأذكياء
لا يتجاسرون على الفعل.
وإذا فعل عدم-الفعل.
13
अज्ञात पृष्ठ
لم يبق شيء يستعصي على الحكم.
4
جوهر الطريق
الطريق خال من المكان.
14
بحيث إن الاستعمال لا يملؤه.
15
آه! عميق هو وبلا قرار،
شبيه بحد الكائنات العشرة آلاف.
16
अज्ञात पृष्ठ
إنه يثلم حده،
يحل عقده،
يلطف لمعانه
ويمسح ترابه.
17
عميق هو وبلا قرار، آه،
حاضر إلى الأبد.
أنا لا أدري، ابن من هو
هو صورة من كان.
18
अज्ञात पृष्ठ