तंज़ीह अन्बिया
تنزيه الأنبياء
يقول إنك آتيتهم الأموال ليضلوا وثالثها أن يكون خرج مخرج النفي والإنكار على من زعم أن الله تعالى فعل ذلك ليضلهم ولا يمتنع أن يكون هناك من يذهب إلى مذهب المجبرة في أن الله تعالى يضل عن الدين فرد بهذا الكلام عليه كما يقول أحدنا إنما آتيت عبدي من الأموال ما آتيته ليعصيني ولا يطيعني وهو إنما يريد الإنكار على من يظن ذلك به ونفي إضافة المعصية إليه وهذا الوجه لا يتصور إلا على أحد وجهين إما بأن يقدر فيه الاستفهام وإن حذف فيه حرفه أو بأن تكون اللام في قوله ليعصيني لام العاقبة التي قد تقدم بيانها ومتى رفعنا من أوهامنا هذين الوجهين لم نتصور كيف يكون الكلام خارجا مخرج النفي والإنكار ورابعها أن يكون أراد الاستفهام فحذف حرفه المختص به وقد حذف حرف الاستفهام في أماكن كثيرة من الكلام وهذا الجواب يضعف لأن حرف الاستفهام لا يكاد يحذف إلا وفي الكلام دلالة عليه وعوض منه مثل قول الشاعر
كذبتك عينك أم رأيت بواسط
غلس الظلام من الرباب خيالا
لأن لفظة أم يقتضي الاستفهام وقد سأل أبو علي الجبائي نفسه عن هذا السؤال في التفسير وأجاب عنه بأن في الآية ما يدل على حذف حرف الاستفهام وهو دليل العقل الدال على أن الله تعالى لا يضل العباد عن الدين ودليل العقل أقوى مما يكون في الكلام دالا على حرف الاستفهام وهذا ليس بشيء لأن دليل العقل وإن كان أقوى من كل دليل يصحب الكلام فإنه ليس يقتضي في الآية أن يكون حرف الاستفهام منها محذوفا لا محالة لأن العقل إنما يقتضي تنزيه الله تعالى عن أن يكون مجريا بشيء من أفعاله إلى إضلال العباد عن الدين وقد يمكن صرف الآية إلى ما يطابق دليل العقل من تنزيهه تعالى عن القبيح من غير أن يذكر الاستفهام ويحذف حرفه فإذا كان ذلك ممكنا لم يكن في العقل دليل على حذف حرف الاستفهام وإنما كان يكون فيه دليل على ذلك لو كان يتعذر تنزيهه تعالى عن إرادة الضلال إلا بتقدير
पृष्ठ 73