109

فتحرك قلبه تحسرا على فقد الخلان وخراب الأوطان فقال : ( أنى يحيي هذه الله بعد موتها ) [البقرة : 2 / 259] يعني كيف تعود هذه البلدة على ما كانت عليه بعد خرابها؟! فاستبعد أن تعود على ما كانت عليه من نباتها وشجرها وبساتينها ، كما يستبعد الناس أن تعود البلاد كما كانت عليه بعد خرابها ، على مجرى العادة.

وهذا من الكلام المباح الذي يقوله الناس إذا خربت البلاد وكانوا يعرفونها عامرة من قبل.

وكثيرا ما قيل هذا في ندب الأطلال الخالية والرسوم البالية ، إلا أن أهل المراقبة يطلبون بهذه الأقوال التي كان غيرها أولى منها كما تقدم.

فإن مثل أولئك لا يستبعدون كائنا في مقدور الله تعالى ، كان معتادا أو غير معتاد ، لما يعلمون من نفوذ إرادته ، ومضاء أمره ، إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون.

كما عتب الملائكة امرأة إبراهيم عليه السلام حيث قالت : ( يا ويلتى أألد وأنا عجوز ) [هود : 11 / 72] ، فقالوا لها : ( أتعجبين من أمر الله ) [هود : 11 / 73].

أي : مثلك يرى في فعل الله عجبا وأنت صديقة!؟.

قال المشايخ (1): العجب أن لا ترى عجبا ، فإذا لم تر عجبا كنت أنت العجب!.

فلما استبعد إصلاحها على مجرى العادة أراه الآية في نفسه ، فأماته ثم أحياه بعد مائة سنة ، ثم أطلعه على ذلك بأن أنشأ له الحمار الذي كان يركبه بعد ما أماته ورم حتى صار ترابا ، ثم أنشأه له من التراب وهو ينظر إليه ، وأبقى عنبه كما كان بعد مائة سنة.

पृष्ठ 119