فأدخل الهاء في العسيب - وهو عظم الذنب - ولا يقال له عسيبة. وقد غلطا معًا في الناموس والناموسة، والعسيب والعسيبة، قال أبو مالك الأعرابى، يقال: ناموس الصائد وناموسته لزَرَبه الذي يأوي اليه، وكذلك عرّيس الأسد، وعرّيسته بحيث يسكن.
وقال ابن الأعرابي، يقال: عسيب وعسيبة بمعنىً، وأنشد:
منها بذي خُصُل طالت عسيبته ... ريّان لا عَقَدٌ فيه ولا خللُ
وقال أبو الخطاب الأخْفش يقال: رَيغٌ ورَيْغةٌ، وعَسيبٌ وعَسيبة، وأنشد:
خطّارةٌ وهي لم تعقد على لفحٍ ... وربما بشّرتْ والشول لم يَشلِ
منها بذي خُصلٍ طالت عَسِيبته ... ريانُ لا عَقَدٌ فيه ولا خللٌ
٤٠ - وأنشد أبو عمرو لأبي النجم وذكر فرسًا، فقال:
يَسْبحُ أُخراه ويطفو أوّلُه
وقال: لا خير في هذا الفرس، لأنه إنما يسبح لاضطرابه.
وقال الأصمعي: - وقد أنشد هذا البيت - إذا كان كذلك كان حمار الكسّاح أسرع منه لأن اضطراب مآخيره قبيح قال: وأحسن في قوله: وتطفو أوله ...
وقال ابن قتيبة - قال غير الأصمعي - يسبح أخراه جيد، إنما أراد أبقوله: يسبح أخراه أنه لانبساطه وسعته في عدوه، يَضرح برجليه كالسابح.
وهذا قول صحيح، وكان الأصمعي متعصبًا على أبي النجم بالعشرية، ولعداوة ما بين ربيعة وقيس، ولقد حملته عصبيته عليه على أن قال مُستسقطًا له: " أنا لا أُحب شاعرًا يسمى الفضل بن قدامة "! وحكى عنه أبو حاتم في كتاب " فحول الشعراء " الذي حكى عنه فيه: " ما يصلح زهير أن يكون أجيرًا للنابغة ". وليس على أبي النجم عيب في أن كان يسمى الفضل بن قدامة. ولو عيب الشاعر باسمه واسم أبيه، لسقطت منزلة كعب بن جُعيل، ولما عد شاعرًا ولأخرج هِميان بن قحافة من جملة الشعراء، ولرذلت منزلة أوس بن حجر والحطيئة، إذ كان اسمه: جرول، ولما تقدمت منزلة علقمة بن عبدة، ولا منزلة كل شاعر لا يوافق اسمه واسم أبيه عبد الملك بن قريب، أو سعيد بن أصمع، أو باهلة بن أعصر الذي قيل فيه في الجاهلية:
فخيبةَ من يخيبُ على غَنيٍّ ... وباهلةَ بن أعصرَ والرِّكابِ
وقال رسول الله ﷺ، في الإسلام: " النفس بالنفس، ولو كان من باهلة " ولو أمسك الأصمعي عن عيب صحيح أقوال الشعراء المجيدين لأمسكنا عن الإشارة بمثالبه، ولكنه أبى إلاّ الاعتداء عليهم ظالمًا، وآثرنا الانتصار لهم مُحقّين، والعاتبة للمُتقين؛ ولا عدوان إلاّ على الظالمين.
٤١ - وقال أبو عمرو غلط رؤبة في قوله:
بل بلدٍ ملءِ الفجاج قَتَمُه ... لا يُشترى كَتّانهُ وجَهْرمُه
وإنما جَهْرم اسم بلد فظنه ثيابًا.
وقال الأصمعي: هذا مَثَل، يقول له: سبايب تجري عليه من آله وسرابه، وهي لا تُشترى، وجَهرم: قرية بفارس فظن أن جهرم ثياب.
وإنما أراد رؤبة كتانيّه وجَهْرميّه فقطع ياء النسب، كما قال العجاج:
يكاد يَدْري القَيْقَبان المُسرَجا
والقبقب: خشب تنحت منه السروج، وإنما أراد أن ينسب السرج إليه، فيقول: القيقباني فقطع ياء النسب.
٤٢ - وعاب أبو عمرو والأصمعي المرّار بن منقذ العدوي في قوله:
كأنّ فروعها في كلِّ ريحٍ ... جوارٍ بالذَّوائب ينتصينا
واتبعهما أبو حنيقة فعابه، وذكر قول الأصمعي واحتج له واستشهد. وسنوضح معنى الشاعر ونظر حجته وندل على فساد أقوالهم - ثلاثتهم - فيما ننبه عليه من كتاب النبات إن شاء الله به المعونة ومنه أحسن التوفيق.
٤٣ - وأنشد أبو عمرو قول ذي الرمة:
حتى إذا زلجت عن كلِّ حَنجرة ... إلى العليل ولم يَقْصَعْنَه نُقَبُ
وقال: لم يجد. وقال الأصمعي: ليس هذا من جيّد الوصف، لأنها إذا شربت ثقلت، وإن كانت لم ترو.
وهذا غلط إنما تثقل إذا رويت، وأما إذا شربت قليلًا فإنه يقوّيها على العَدو ولولاه لهلكت عطشًا. وقد زاد شرحا بقوله في غير هذه الكلمة:
فانصاعت الحُقْبُ لم تَقْصعْ صرائرها ... وقد نَشَحن فلا رِيٌّ ولا هِيمُ
ولولا صحة ما قاله لم يقل العجاج:
حتى إذا ما بلّت الأغمارا ... رِيًّا ولمّا تقصعِ الأصرارا
أجلى نِفارًا وانتَحت نِفارا
٤٤ - قال أبو عمرو في قول ذي الرمة:
1 / 16