آثار شيخ الإسلام ابن تيمية وما لحقها من أعمال (١٢) تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل تأليف شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية (٦٦١ - ٧٢٨ هـ) تحقيق علي بن محمد العمران - محمد عزير شمس

المقدمة / 1

مقدمة الطبعة الثانية الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فقبل نحو عشر سنوات خلت نشرنا عِلْقًا نفيسًا وأثرًا عزيزًا من مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀، كان يعدُّ ضمن ما فُقد من مؤلفاته، وهو كتاب «تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل». ولم يكن يُعرَف من خبر هذا الكتاب إلا تلك المقدمة الطويلة التي حفظها لنا تلميذه ابن عبد الهادي في «العقود الدرية» (^١). ولم يكن اكتشاف هذا الأثر بالأمر السهل، ولم يكن الحصول على نسخته الخطية بأقل مشقة من اكتشافه (^٢)، ولم يكن أيضًا العمل على تحقيقه إلا نموذجًا لما يلاقيه المحققون من جهدٍ وتعبٍ شديد، لا يشعر به من أمسك الكتاب يأخذ منه أو يدَع وهو متّكئ على أريكته! وها نحن الآن نقدمه للطبعة الثانية، وهي تمتاز عن سابقتها بأمور: الأول: تصحيحات كثيرة في نصوص الكتاب وحواشيه، كثير منها من إفادة الأخ الشيخ رابح مختاري الجزائري، إذ قرأ الكتاب قراءة متأنية دقيقة، وبعث لنا برسالة خاصة تتضمن تصحيحات وقراءات مفيدة، فجزاه الله خيرًا. الثاني: كتابة مبحث خاص متعلق بتثبيت نسبة الكتاب إلى مؤلفه. ذكرنا فيه قرائن كثيرة على تصحيح نسبة الكتاب إلى ابن تيمية، وأجبنا عن _________ (^١) (ص ٤٥ - ٥١ من طبعتنا). (^٢) كما شرحنا ذلك في مقدمة الطبعة الأولى.

المقدمة / 5

تشكيكات المعترضين. الثالث: إخراجه في حلة قشيبة، وحجم مناسب في مجلد واحد، بعد أن كان في مجلدين في طبعته الأولى. نسأل الله أن ينفع بهذه الطبعة كما نفع بسابقتها، وأن تحوز رضى أهل العلم ومحبي المعرفة. المحققان ١٩ رمضان ١٤٣٤ هـ

المقدمة / 6

فصل في إثبات نسبة الكتاب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية كنا قد ذكرنا في مقدمة الطبعة الأولى للكتاب بعضَ القرائن التي أفادتنا ظنًّا راجحًا يُعتمد عليه ويُطمأنّ إليه في تثبيت نسبةِ الكتاب إلى مؤلفه (^١)، وظننّا وقتئذٍ كفايتَها للمتأمّل، لكن كتب الأستاذ دغش العجمي مقالًا في مجلة «عالم الكتب» (عام ١٤٢٧) ذكر فيه أمورًا يراها تشكّك في نسبة الكتاب إلى مؤلفه، ثم كتب بعده بمدة الدكتور عبد العزيز العبد اللطيف في مجلة «الأصول والنوازل» (عام ١٤٣٢) مؤيدًا له وزاد تشكيكًا آخر لم يذكره الباحث الأول. وكنا قد كتبنا مقالًا ذكرنا فيه مزيدًا من الأدلة والقرائن على ثبوت نسبة الكتاب، وأجبنا عن تلك التشكيكات، ونشرناه على الشبكة العالمية عام ١٤٢٧، فاطمأنّ الباحثون عن العلم بَعده على الوثوق بتثبيت هذه النسبة وطرح ما أثير من تشكيكات. ثم رأينا في مقدمة الطبعة الثانية للكتاب أن نبسط القول في تلك القرائن عددًا وبيانًا وتوضيحًا، بعد ما استجدت قرائن أخرى لم نكن قد ذكرناها من قبل؛ لتكون كافيةً ــ إن شاء الله ــ لكل من يطلع عليها إن هو سلك سبيل الإنصاف، فتزول تلك التشكيكات، ويُرْكن إلى مهيع العلم لا إلى مجرّد _________ (^١) وهذا غاية المطلوب في إثبات الكتاب لمؤلفه (قرائن راجحة يطمئن إليها الباحث العارف). انظر «تحقيق النصوص» (ص ٤٤) لعبد السلام هارون. وانظر نص شيخ الإسلام الذي ختمنا به هذا الفصل.

المقدمة / 7

الاحتمالات، فنقول تمهيدًا: الكتاب الذي نتكلم عليه «تنبيه الرجل العاقل» عثرنا منه على نسخة وحيدة، وهذه النسخة سقطت منها ورقة العنوان، وعدة صفحات نحو العشر (كما حققناه في مقدمة الطبعة الأولى ص ٦٧) وهذا الخرم ذهبَ بعنوان الكتاب واسم مؤلفه ومقدمة المؤلف وأوائل الكتاب. ولمعرفة من هو مؤلف الكتاب توجّهنا للنظر في مادته لنستخرج القرائن الدالة على من ألَّفه، فوجدنا الكتاب في موضوع الجدل، ووجدنا مؤلفه ينقل نصوصَ كتابٍ في الجدل، ويردّ عليها ويناقشها، وبمطابقة هذه النصوص التي ينقلها وجدنا أنها من كتاب «الفصول في الجدل» لبرهان الدين النسفي الحنفي (ت ٦٨٧). وهو متن مختصر في (١٠ ورقات) في صناعة الجدل على طريقة المتأخرين المُحْدَثين. وقد استوفاه المؤلف بالشرح والنقض والرد. ووجدنا أن تاريخ كتابة المخطوط في سنة ٧٥٩، وتاريخ وفاة النسفي (المردود عليه) سنة ٦٨٧ فلا بد أن يكون المؤلف قد عاش في هذه الفترة بين التاريخين. وقد تلمسنا القرائن التي تهدينا إلى مؤلفه، فاهتدينا بحمد الله وفضله إلى كتاب جليل من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ كان في عداد المفقود. فإلى القرائن والأدلة الهادية: القرينة الأولى: ناسخ المخطوط لم يذكر اسمه في آخره، ولكن ذكر تاريخ النسخ وهو سنة ٧٥٩، أي بعد وفاة المؤلف بواحد وثلاثين عامًا. لكنا عرفنا ناسخ الكتاب أخيرًا والحمد لله، فهو: محمود بن أحمد بن حسن الشافعي وهو من تلاميذ شيخ الإسلام.

المقدمة / 8