तम्हीद तारीख फलसफा इस्लामिय्या
تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية
शैलियों
والغزالي المتوفى سنة 505ه/1111م، مع شدته في الرد على الفلاسفة ومعاداة الفلسفة، لم يبلغ في ذلك مبلغ من رد الفلسفة جملة وحرم الاشتغال بها من غير تفصيل، وهو يذكر في كتاب «تهافت الفلاسفة»: «أن الخلاف بينهم وبين غيرهم من الفرق ثلاثة أقسام: قسم يرجع النزاع فيه إلى اللفظ، وقسم لا يصدم مذهبهم فيه أصلا من أصول الدين، والقسم الثالث ما يتعلق النزاع فيه بأصل من أصول الدين، كالقول في حدوث العالم وصفات الصانع وبيان حشر الأجساد والأبدان.»
ثم يقول: «فهذا الغش ونظائره هو الذي ينبغي أن يظهر فساد مذهبهم فيه دون ما عداه.»
14
ويرسم رأي الغزالي فيما بين الدين والفلسفة من الصلة قوله في كتاب «المنقذ من الضلال» عند الكلام عن الإلهيين من الفلاسفة: «الصنف الثالث: الإلهيون، وهم المتأخرون، ومنهم مثل سقراط وهو أستاذ أفلاطون وأفلاطون أستاذ أرسطاطاليس، وأرسطاطاليس هو الذي رتب لهم المنطق وهذب العلوم، وخمر ما لم يكن مخمرا من قبل، وأنضج لهم ما كان فجا من علومهم، وهم بجملتهم وردوا على الصنفين الأولين من الدهرية والطبيعية، وأوردوا في الكشف عن فضائحهم ما أغنوا به غيرهم «وكفى الله المؤمنين القتال» بتقاتلهم، ثم رد أرسطاطاليس على أفلاطون وسقراط ومن كان قبله من الإلهيين ردا لم يقصر فيه حتى تبرأ من جميعهم، إلا أنه استبقى أيضا من رذائل كفرهم بقايا لم يوفق للنزوع عنها، فوجب تكفيرهم وتكفير متبعيهم من المتفلسفة الإسلاميين كابن سينا والفارابي وأمثالهما على أنه لم يقم بنقل علم أرسطاطاليس أحد من المتفلسفة الإسلاميين كقيام هذين الرجلين، وما نقله غيرهما ليس يخلو عن تخبط وتخليط يتشوش فيه قلب المطالع حتى لا يفهم، وما لا يفهم، كيف يرد أو يقبل؟!
ومجموع ما صح عندنا من فلسفة أرسطاطاليس - بحسب نقل هذين الرجلين - ينحصر في ثلاثة أقسام؛ قسم يجب التكفير به، وقسم يجب التبديع به، وقسم لا يجب إنكاره أصلا فلنفصله.»
15
وقد يعتبر كلام الغزالي، على ما فيه من قسوة أحيانا، رفيقا إذا قيس إلى كلام كثير من المتأخرين: ويقول الشيخ محمد عبده في «رسالة التوحيد» في وصف موقف الدينيين من الفلاسفة منذ عهد الغزالي: «وجاء الغزالي ومن على طريقته فأخذوا جميع ما وجد في كتب الفلاسفة مما يتعلق بالإلهيات، وما يتصل بها من الأمور العامة أو أحكام الجواهر والأعراض، ومذاهبهم في المادة وتركيب الأجسام، وجميع ما ظنه المشتغلون بالكلام يمس شيئا من مباني الدين، واشتدوا في نقده، وبالغ المتأخرون منهم حتى كاد يصل بهم السير إلى ما وراء الاعتدال.»
16
ومبالغة المتأخرين في معاداة الفلسفة تظهر فيما جاء في «فتاوى ابن الصلاح في التفسير والحديث والأصول والعقائد»، وابن الصلاح هو أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن تقي الدين الشهرزوري المتوفى سنة 643ه، وقد جاء في «فتاواه» ما نصه: «مسألة فيمن يشتغل بالمنطق والفلسفة تعلما وتعليما، وهل المنطق جملة وتفصيلا مما أباح الشرع تعلمه وتعليمه، والصحابة والتابعون والأئمة المجتهدون والسلف الصالحون ذكروا ذلك أو أباحوا الاشتغال به أو سوغوا الاشتغال به أم لا؟ وهل يجوز أن تستعمل في إثبات الأحكام الشرعية الاصطلاحات المنطقية أم لا؟ وهل الأحكام الشرعية مفتقرة إلى ذلك في إثباتها أم لا؟ وما الواجب على من تلبس بتعليمه وتعلمه متظاهرا به؟ ما الذي يجب على سلطان الوقت في أمره؟ وإذا وجد في بعض البلاد شخص من أهل الفلسفة معروفا بتعليمها وإقرائها والتصنيف فيها وهو مدرس في مدرسة من مدارس العلم، فهل يجب على سلطان تلك البلدة عزله وكفاية الناس شره؟
أجاب رضي الله عنه: «الفلسفة أس السفه والانحلال ومادة الحيرة والضلال، ومثار الزيغ والزندقة، ومن تفلسف عميت بصيرته عن محاسن الشريعة المطهرة المؤيدة بالحجج الظاهرة والبراهين الباهرة، ومن تلبس بها تعليما وتعلما قارنه الخذلان والحرمان، واستحوذ عليه الشيطان، وأي فن أخزى من فن يعمي صاحبه ويظلم قلبه عن نبوة نبينا محمد
अज्ञात पृष्ठ